صفحة : 249-272  

الفصل الثالث

 حتى لا يعتب إبليس..

1048 ـ طبيعة التشريع لا تمنع من وجود سلبيات مع الإيجابيات.

1049 ـ الإعتراف بسلبيات التشريع قوة لنا ومأزق للآخرين..

1050 ـ الدعاة يحرجون حين يجدون صحة نقد الكافرين للتشريعات أو المفاهيم الإسلامية.

1051 ـ ليس هناك فعل يكون خيراً كله.

1052 ـ ليس هناك خير لا شرّ فيه.

1053 ـ لا بد من السلبيات على كل حال.

1054 ـ لا يوجد شر لا خير فيه.

1055 ـ إعترافنا بوجود سلبيات في التشريع لا يسقطه.

1056 ـ إعترافنا بالسلبيات في المفهوم الإسلامي لا يسقطه.

1057 ـ إذا تحدثنا عن السلبيات في التشريع نتفادى الكثير من المآزق.

1058 ـ إعترافنا بالسلبيات نتفادى به ضعف الموقف.

يقول البعض:

«وهذه الآية توحي بفكرة عامة، وهي أنه ليس هناك إيجاب مطلق أو سلب مطلق في الحياة، لأن كل ما في الكون من موجودات وأفعال هو محدود بحدوده الذاتية والزمانية والمكانية. والله ـ وحده ـ هو المطلق، لذلك ليس هناك خير لا شر فيه، ولا شر لا خير فيه فقد يخترن الخير بعض الشر في ذاته، وقد يختزن الشر بعض الخير في مورده، لأن طبيعة الحدود تفرض ذلك ؛ فتكون خيرية الشيء برجحان جانب الخير فيه كما تكون غلبة الشر برجحان جانب الشر فيه، ولا قيمة للعنصر المغلوب أو الضعيف هنا في مسألة التشريع.

إن هذه النقطة لا بد من التركيز عليها في ما يواجهه المسلمون من النقد، الذي قد يوجهه الكافرون من إثارة النقاط السلبية في بعض المفاهيم أو التشريعات الإسلامية، مما قد يجعل الدعاة والمبلغين في موقف حرج شديد الصعوبة، عندما يجدون صحّة هذا النقد في واقع الإسلام في مفاهيمه وأحكامه، ولكننا ـ أمام الملاحظة المذكورة نجد أن اعترافنا بوجود السلبيات في التشريع أو في المفهوم الإسلامي، لا يعني سقوط التشريع أو خطأ المفهوم، لأن ذلك يمثّل واقع الحياة في كل حقائقها الفكرية أو العملية؛ ولذلك فإن علينا مواجهة المسألة بالحديث عن الإيجابيات الكامنة في داخل الحقيقة الإسلامية، مع غلبة هذا الجانب الإيجابي السلبي. وبهذا نتفادى الكثير من المآزق الجدلية ومن ضعف الموقف، لنحوله إلى مأزق للآخرين، وإلى موقع قوة يرتكز على النظرة العلمية الموضوعية للأشياء والمواقف»([1]).

ويقول:

«لا بد أن نشير في هذا المجال إلى أن طبيعة التشريع لا تمنع من وجود سلبيات إلى جانب الإيجابيات، لأنه ليس هناك فعل يكون خيراً كله، أو شراً كله، بل هناك خير يصاحب بعض الشر أو شر يصاحب بعض الخير. مما يجعل القضية في جانب الوجوب أو الحليّة خاضعة لزيادة جانب الخير على جانب الشر. أما في طرف التحريم، فيخضع للعكس وهو غلبة جانب الشر على جانب الخير.. فلا بد من السلبيات على كل حال، ولكنها تختلف شدّة وضعفاً وزيادةً ونقيصة، تبعا لطبيعة الموضوع في أجواء التشريع»([2]).

وقفة قصيرة:

ونقول:

1 ـ إن هذا البعض يقول: إنه لا يوجد شر لا خير فيه.. فهل تراه يجد في قتل الانبياء، وفي الشرك والكفر، وقطيعة الرحم.. وفي الظلم وهو الذي لا شك في قبحه الذاتي، وما إلى ذلك.. هل يجد في ذلك كله شيئاً من الخير؟!

وهل يجد في الإيمان بالله، وفي عبادته تعالى، وفي الصلاة، وإنقاذ الغريق. ومعونة الضعفاء ونشر دين الله، وتوحيد الله، وما إلى ذلك.. هل يجد في ذلك أثراً للشر؟!

وأي شر يجده هذا البعض في حب الله، وفي طاعته، والإلتزام بأوامره، والإنزجار بزواجره؟!

و في حب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وفي طاعة الرسول، وفي حب الوصي، والإمام، وفي طاعة الوصي والإمام.. وفي حب الحق والإلتزام به.

2 ـ إن ظاهر كلام هذا البعض يعطينا: أن الدافع له إلى إطلاق هذه المقولات هو أن الدعاة والمبلغين ـ على حد تعبيره ـ يجدون أنفسهم في موقف حرج شديد الصعوبة.. حين يعجزون عن الإجابة على النقد الموجه إلى الإسلام في مفاهيمه، وأحكامه..

فكانت هذه المقولات التي أطلقها هذا البعض هنا وهناك بمثابة إعلان الاستسلام، والعجز عن الإجابة على شبهات الكافرين والملحدين.. ولكن هذا البعض لا يريد أن يدفع من جيبه ولا من جيب بعض المبلغين والدعاة فاتورة قصورهم، وجهلهم، وعجزهم هذا.. فعدوا على الإسلام نفسه ليدفعوا هذه الفاتورة من جيب الإسلام، وليتحمل الإسلام هذه الخسارة العظمى لكي تحفظ شخصية ذلك المبلّغ و الدّاعية العاجز والضعيف، ويبقى لها لمعانها ووهجها.. وتألقها.. وذلك حين يتفادى الكثير من المآزق الجدلية وضعف الموقف!! ويحوّله إلى مأزق للآخرين!!

يا سبحان الله!! ما هذه الدعوى يا هؤلاء الدعاة؟!‍

3 ـ إن قول هذا البعض:

«لا بد من السلبيات على كل حال..».

وقوله:

«ليس هناك فعل يكون خيراً كله أو شراً كله الخ..».

نفي قاطع وشامل.. ومن الطبيعي أن هذا النفي يحتاج إلى دليل. كما أن الإثبات ـ إثبات السلبيات على كل حال ـ يحتاج إلى دليل.. وفقاً لما قرره هذا البعض نفسه، وقد أشرنا إليه أكثر من مرة..

ولم يثبت لدينا بعد، أن الله سبحانه قد أطلعه على غيبه، لكي نقبل منه هذا النفي وذلك الإثبات بمجرد دعواه. ودون أن يقدم لنا أي دليل على ما يقول. وأنّى له ذلك.

1059 ـ نظام الإسلام نفعه أكثر من ضرره.

1060 ـ لا يستطيع الإنسان الوصول إلى نظام لا سلبيات فيه.

1061 ـ سلبيات الزنا تتقدم على سلبيات الزواج. «أو فقل: إيجابيات الزواج تتفوق على إيجابيات الزنى».

1062 ـ سلبيات نظام الزواج أقل من إيجابياته.

يقول البعض:

   «..وإذا أردنا أن ندخل في المقارنة بين السلبيات و الإيجابيات، فسنجد إيجابيات الزواج تتفوق كثيراً على إيجابيات الزنا، بينما تتقدم سلبيات الزنا على سلبيات الزواج، وإذا كان الإنسان لا يستطيع الوصول إلى نظام لا سلبيات فيه، نظراً إلى محدودية الواقع الذي يتحرك فيه من حيث الشخص والساحة والأدوات والأجواء، فمن البديهي أن يختار النظام الذي يكون نفعه أكثر من ضرره لتستقيم له حياته في الطريق الأقوم، في اتجاه التكامل والتوازن والاستقامة»([3]).

 وقفة قصيرة:

   1 ـ ليت هذا البعض يدلنا على سلبيات الزواج التي تقل عن سلبيات الزنا؟! وهل إيجابيات الزنا التي ذكرها بقوله:

   «..وإذا كان للزنا بعض إيجابياته القائمة على الاستجابة للنوازع العاطفية، والمشاعر الملتهبة، والجوع الغريزي([4])، الذي قد يجد الإشباع في جهة، ولا يجدها لدى جهة أخرى، والانسجام مع الأجواء الحالمة التي يثيرها الجمال الجسدي، أو التناغم الروحي»([5]).

هل هذه الإيجابيات، لا يجدها الإنسان لو تحول الزنا إلى علاقة شرعية من خلال العقد؟!

وهل هذه الأمور مفقودة في الحياة الزوجية لدى عامة الناس؟!

2 ـ هل محدودية الواقع الذي يتحرك فيه من حيث الشخص والساحة والأدوات والأجواء تجعل الوصول إلى نظام لا سلبيات فيه أمراً ممتنعاً؟!.

   وهل هذا يعني أن نظام الإسلام الذي يهدف إلى ضبط الحياة في الواقع المحدد ؛ هو نظام يشتمل على السلبيات؟!

ولنفرض جدلاً صحة ذلك، فهل هذه هي سلبيات الواقع؟! أم هي سلبيات النظام الإسلامي؟! فلماذا لا يلتفت إلى تعابيره، بل يلقي الكلام على عواهنه؟! وبلا حساب؟!

1063 ـ لا مقدسات في الحوار.

1064 ـ قد حاور الله تعالى إبليس.

سئل البعض:

أشرتم إلى مسألة الحوار بين الأديان، والملاحظ ازدياد الحديث في هذا الموضوع في الآونة الأخيرة، فما رأيكم؟!

 فأجاب:

«إن الله علمنا أن نحاور كل الناس، ولا توجد مقدسات في الحوار، فقد حاور الله تعالى إبليس، فهل هناك من الناس من هو مثل إبليس؟! كما أن القرآن هو كتاب حوار مع المشركين في توحيد الله، ومع الكافرين في وجود الله وفي نبوة النبي، كما حاور المنافقين، لذلك نعتبر أن عظمة القرآن في أنه كتاب الحوار المقدس الذي يقول لك إن مسألة أن تؤمن هي أن تفكر وتقتنع، وبالتالي أن تحاور.. الخ»([6]).

وقفة قصيرة:

ونقول: 

أولاً: هل حاور الله تعالى إبليس حقاً.. أم أنه ألقى الحجة عليه ثم طرده من رحمته، وأرسل عليه لعنته؟!

إن الحوار يتمثل بتبادل الأفكار التي من شأنها أن تنبه الطرف الآخر إلى خطئه فيما يلتزمه من أفكار، وإلى صوابية الفكر المطروح عليه..

وليس من الحوار ما يكون من قبيل إلقاء الحجة على الطرف الآخر تمهيداً لإصدار القرار الحاسم عليه حتى وإن ظهر بصورة الخطاب مع الآخر ولا معنى، ولا مبرر للخلط بين ما هو خطاب، وبين ما هو حوار، فشتّان بين الإثنين.

والملاحظ في قضية إبليس المذكورة في القرآن هو أنها تقتصر على بيان استكبار إبليس عن السجود لآدم لكونه قد خلق من تراب.. يقابله قرار إلهي بطرده، وإحلال اللعنة عليه إلى يوم الدين..

وقد وردت هذه القضية في أربعة مواضع في القرآن الكريم، هي التالية:

1 ـ في سورة الأعراف قال تعالى:

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ([7]).

2 ـ وفي سورة الحجر قال تعالى:

﴿..فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ([8]).

3 ـ وفي سورة الإسراء قال تعالى:

﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا([9]).

4 ـ وفي سورة «صلى الله عليه وآله» يقول سبحانه:

﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ([10]).

وبعد.. فإن هذا هو كل ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم عن تمرد إبليس([11])، وهو يتلخص في عدة نقاط هي:

استكبار وتمرد من قبل إبليس.

وطرد من قبل الله له من رحمته.

ثم طلب إبليس من الله أن ينظره إلى يوم القيامة.

واستجابة الله له.

ثم توعد إبليس بإضلال الناس كلهم.

ثم تهديد الله له ولمن تبعه بالعذاب في نار جهنم.

فأين هو الحوار يا ترى، وأين تجد تبادل الأفكار؟!

ثانياً: إن هذا البعض يتحدث عن قيمة الحوار في القرآن فيقول:

«إن قيمته هي في أنه لم يحدد موضوعات الحوار، ولم يحدد الإنسان المحاور، فلا مشكلة في الحوار مع أي إنسان كان، لأن القضية هي أن هناك حقيقة لا بد أن نتعاون على اكتشافها، والوصول إليها، ليكون الحوار وسيلة تعاون لاكتشاف هذا المجهول، لا لتسجيل النقاط السلبية على بعضنا البعض»([12]).

ويتحدث عن مهمة الحوار، وأنه ليس مجرد إيصال القضايا التي يختلفون فيها إلى وضوح الرؤية لإيجاد قناعة مشتركة حولها.

بل هو أيضاً يساهم في تبريد الأجواء النفسية لدى المتحاورين.. لالتقائهم على المفاهيم المشتركة، أو المعاني المتقاربة مما يخلق مشاعر حميمة فيما بينهم.

كما أنه يخلق حركة فكرية تكون سبباً في تعميق الوعي، وشمولية النظرة.

كما أنه يمكن أن نجعل من الحوار منهج تربية في تكوين القناعات بشكل تدريجي.

ثم قال:

«إذا كان القرآن يتحدث بأسلوب العنف عن بعض هؤلاء الذين ينطلقون من موقع الفكرة المضادة لفكره، فلم يكن ذلك نتيجة للروح العدوانية التي ترفض الخلاف بالقوة، بل كان لامتناعهم عن الدخول في أجواء الحوار، وابتعادهم عن استعمال الأدوات التي أتاحها الله لهم للمعرفة وللتفكير.. وهذا ما نريد إثارته: الحوار لمن يريد الحوار. والعنف العقلاني لمن يتخذ العنف وسيلة لاضطهاد الفكـر وإسقاطه الخ..»([13]).

وبعدما تقدم نقول:

هل ترى هذه المعايير، والفوائد التي ذكرها للحوار منطبقة على حديث القرآن عن حوار الله تعالى مع إبليس؟!

الجواب: لا، فإن الله سبحانه إنما أقام الحجة على إبليس ثم طرده ولعنه.. إذن فخطابه سبحانه لإبليس لا يدخل في هذا الإطار بلا شك.

أو هل ترى أن الحوار المزعوم بين الله سبحانه وإبليس هو من مفردات وموارد العنف العقلاني، لمن يتخذ العنف وسيلة لاضطهاد الفكر الآخر وإسقاطه؟!

والجواب أيضاً بلا.. لأن إبليس قد قدم عذره ـ الباطل ـ لامتناعه عن السجود لآدم، وهو أنه مخلوق من نار، وآدم مخلوق من طين، ولكن الله سبحانه بادره باللعنة وبالطرد..

 فكلا الحالتين لا تنطبقان على قضية إبليس وهكذا تتعقد المشكلة إذا أردنا أن نلتزم بما يقوله هذا البعض، ونقف عنده ولا نتعداه..

ثالثاً: إن الحقيقة هي أن الله سبحانه لا يهادن الفكر المنحرف، الذي ينطلق من إرادة تبرير الإنحراف، وذر الرماد في العيون عن سابق معرفة وإدراك لحقيقة الخطأ، وتمييع القضايا بصورة وقحة، فإن هذا النوع لا يصح، بل لا يجوز الحوار معه، لأن حواراً كهذا لسوف يستبطن المماشاة بل الإعتراف بهذا الفجور الإعلامي الذي يراد تسويقه على أنه فكر، ورأي واستدلال.. ولأجل ذلك كان القمع الإلهي لهذا الفجور الخبيث، ولم يكن ثمة من حوار مع إبليس، ما دام أن الحوار مع إبليس سقوط خطير، وانتصار لأطروحة إبليس، ومساعدة له على تحقيق مراميه الخطيرة والخبيثة.

بل هو كما قلنا ـ احتجاج من الله سبحانه عليه، وفيه من التأنيب والتقريع، والإنكار والتوبيخ ما لا يخفى على من له أدنى معرفة بلغة العرب، ثم كان الطرد، وكانت اللعنة، فهل يصح اعتبار ذلك حواراً بعد هذا كله؟!

1065 ـ حوارات لا حقيقة لها بين الله وبين ما لا يعقل ولا ينطق من مخلوقاته.

1066 ـ نستقرب كون حوار الله مع ملائكته ليس حقيقيا.

1067 ـ الاستشارة محاولة للوصول إلى الرأي الأصوب الذي يعني الجهل فلا يستشير الله ملائكته.

يقول البعض:

   «..1 ـ ما معنى هذا الحوار.. هل هو قصة حقيقية دار الحوار فيها بين الله وبين ملائكته، أو هو أسلوب قرآني لتقريب الفكرة بطريقة الحوار لأنه أقرب إلى فهم الفكرة من الأسلوب التقريري. فإن أسلوب الحوار متحرك يوحي بالحركة في الفكرة عندما تتوزع تفاصيلها على عدة أشخاص بين السؤال والجواب، بينما نشعر ـ في الأسلوب التقريري ـ بأن الفكرة تسير بشكل رتيب هادئ لا يثير في النفس أي شعور غير عادي إلا من خلال طبيعة الفكرة..

   وليس هذا الأسلوب بدعاً في الأساليب القرآنية فنحن نجد في كثير من آيات القرآن حواراً يدور بين الله وبين ما لا يعقل ولا ينطق من مخلوقاته كما فيما حكاه الله سبحانه في خلق السموات والأرض إذ قال لهما ﴿اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ([14]). لتقريب فكرة خضوعهما التكويني لله بما أودعه فيهما من قوانين طبيعية تسير بهما وفق إرادته وحكمته ولا بد لنا في الجواب عن هذا التساؤل من الحديث عن موقفنا حيال الظواهر القرآنية، فهل لنا أن نتصرف فيها فنحملها على غير ما يفهم من مدلولها الحرفي أو لا؟!

   إن الطريقة العقلانية في التفاهم تقضي بأن الظواهر الكلامية حجة ما لم يكن هناك دليل عقلي يمنعنا من الأخذ بها وقد جرى القرآن على هذه الطريقة في أسلوبه.. فلا بد لنا من السير عليها فيما نأخذ منه أو ندع، فإذا أخبرنا بوجود حوار ضمن قصة ولم يكن هناك مانع عقلي من الإقرار به واعتباره حقيقة واقعة.. أمّا إذا كان هناك مانع عقلي فلا بد من حمله على ما ينسجم معه على أساس قواعد المجاز والكناية والاستعارة.. كما في الآيات التي تحدثت عن وجه الله ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ([15])»([16]).

ويقول أيضاً:

   «..كيف نفهم الحوار كحقيقة موضوعية؟! هل كان الله سبحانه في مقام استشارة للملائكة فيما يريده من خلق الخليفة؟! أو كان في مقام إخبارهم بذلك؟! لا بد من رفض الشق الأول من السؤال، لأن الاستشارة تنطلق من محاولة الوصول إلى الرأي الأصوب الذي يستتبع الجهل بالواقع مما يستحيل نسبته إليه تعالى.. فإذا كانت القضية إخبار عما يريد الله فعله، فكيف نفسر اعتراض الملائكة عليه، مع أننا نعرف من خلال القرآن الكريم، أنهم ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ([17]). وهنا يعود السؤال من جديد كيف نفسر الحوار؟!

ونقول: ربما تكون القضية واردة مورد التساؤل أمام الإخبار، وليس هناك ما يوجب اعتبار السؤال اعتراضا، فإن طبيعة الموضوع تدفع للتساؤل عن سر الحكمة فيه.. وتثير الدهشة والاستغراب.. فكيف يخلق الله مخلوقاً ليكون خليفته في الأرض، في الوقت الذي تتمثل حياته في التمرد على الله بالفساد وسفك الدماء؟!

إن القضية تشبه اللغز بحسب طبيعتها.. وفي هذا الإطار يمكن أن تكون القضية جواباً عن سؤال أثاره الملائكة لكشف الموضوع، ويمكن أن تكون جوابا عن سؤال تفرضه طبيعة القضية، بعيداً عن أجواء الحوار الحقيقي.. وقد نستطيع أن نتبنى الفقرة الثانية، لأن الآيات بمجموعها توحي بأن في القضية نوعاً من التحدي الذي يوجه نحو الملائكة، بإثارة محدودية علمهم من جهة، وبتوجيه السؤال إليهم لإظهار عجزهم وتكليف آدم بالإجابة عنه.. وقد يقرّب هذه الفكرة.. أننا لا نفهم الوجه في إدارة هذا الحوار مع الملائكة.. فإن حوار الله مع مخلوقاته ينطلق غالبا من القضايا التي تتعلق بمسؤولياتهم وتكاليفهم، أما أن يكون متمثلا في الأمور التكوينية التي يريد إيجادها فهذا ما لا نعرف له وجها.. ومن الطبيعي أن هذا لا يعتبر مانعاً عقلياً عن حمل اللفظ على ظاهره، لا سيما وأننا لا نملك الكثير من المعرفة لعالم ما وراء الطبيعة، فنحن لا نعرف كيف يقولون، وكيف هم، وما هي العلاقة بينهم، وبين الله سبحانه، وما هو الجو الذي يمكن أن يعيش فيه هذا الحوار.. كل هذا لا نملك له سبيلا للمعرفة، فإن هذه القضايا مما نعرف وجودها بشكل ضبابي لأننا لا نجد وسائل الإيضاح التي تجعلنا نتمثل الفكرة بوضوح..

إننا نستقرب اعتبار الموضوع أسلوباً قرآنياً لتوضيح الفكرة ولكننا لا نجزم بذلك، لأن المعطيات التي قدمناها لا تدع مجالا للجزم.. بل ربما نلتقي ببعض الأحاديث المأثورة التي تدعم الفرضية الأولى.. فيما يأتينا من حديث..» ([18]).

وقفة قصيرة:

إننا نشير هنا إلى أمرين:

الأول: أن هذا البعض يستقرب أن يكون ما جرى من حوار بين الله وملائكته ليس حواراً حقيقياً، بل هو أسلوب قرآني لتوضيح الفكرة على حدّ تعبيره.

ونقول:

يرد عليه:

أولاً: إن الدليل الذي استدل به يوجب كون الحوار حقيقياً، فهو يقول: إن في القضية نوعاً من التحدي للملائكة بتوجيه السؤال إليهم لإظهار عجزهم، وذلك يعني أن يكون ثمّة سؤال وُجّه إليهم بالفعل.

ثانياً: إن ما ذكره من عدم معرفته للوجه في إدارة الحوار، لا يبرر اعتباره الحوار خيالياً فرضياً.

ثالثاً: إنه تارة يقول: إنه لا يعرف سبب الحوار بين الله وملائكته، وتارة يقول: إن السبب هو أنه تعالى أراد تحدي الملائكة لإظهار عجزهم!

رابعاً: إن عدم معرفته بالسبب لا يبرر رفض الأحاديث المأثورة التي تدعم مقولة كون الحوار حقيقياً، فإنه إذا كان لا يعرف السبب، ولا يملك وسائل الإيضاح ليتمثل الفكرة بوضوح، كما يقول..

فإن أهل بيت العصمة «عليهم السلام» يعرفون، وقد أخبرونا بالحقيقة، فلماذا يتجاهل الأحاديث المأثورة عنهم «عليهم السلام» التي اعترف هذا البعض بوجودها، واعترف بأنها تدعم القول بعدم كون الحوار فرضياً؟!

خامساً: إنه يقول أيضاً: إن الظواهر الكلامية حجة ما لم يكن دليل عقلي يمنع من الأخذ بها. وقد جرى القرآن على هذه الطريقة في أسلوبه، ثم هو يقول: إنه لا يوجد مانع عقلي من حمل اللفظ على ظاهره.

ونقول:

أولاً: فإذا كان يجب حمل اللفظ على ظاهره في مثل هذه الموارد فلماذا استقرب هنا ما يخالف هذه القاعدة يا ترى؟! ويا ليته التزم بمثل ما التزم به هنا حين تحدث عن رؤية موسى «عليه السلام» لربه سبحانه وتعالى وغيرها من الموارد!!

ثانياً: إن هذا البعض قال:

«.. نجد في كثير من آيات القرآن حوارا يدور بين الله وبين ما لا يعقل، ولا ينطق من مخلوقاته، كما فيما حكاه الله سبحانه في خلق السماوات والأرض؛ إذ قال لهما: ﴿اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ([19])، لتقريب فكرة خضوعهما التكويني لله..». انتهى كلامه.

ونقول:

إننا لا نوافق على أن ما يجده في كثير من حوارات جرت بين الله وبين ما لا يعقل، ولا ينطق من مخلوقاته هو من موارد الحوارات الفرضية التي لا حقيقة لها.. بل جاءت لتقريب فكرة الخضوع التكويني له تعالى كما يزعم.. إذ إن حملها على ذلك خلاف ظاهر كثير من الموارد، فقد دلت الآيات على أن السمع والبصر والجلود تشهد، وعلى أن الجلود تنطق وعلى أن الأيدي تتكلم.

قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ([20]).

وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ([21]).

ولا ننسى هنا حكاية النملة مع سليمان «عليه السلام»، وحكاية الهدهد معه أيضاً، مع أنهما مما لا يعقل ولا ينطق حسب تقدير هذا البعض.

قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ([22]).

هذا بالنسبة لعالم الطير، وغيره من الكائنات الحية.

أما بالنسبة لعالم الجماد ،فهناك آيات كثيرة، نختار منها قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ([23]).

وقال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا([24]).

ومن الواضح: أن سجود الموجودات المذكور في الآية الأولى ليس سجودا تكوينيا قهريا، وإنما هو اختياري كالناس الذين يختار بعضهم السجود، ويختار بعض آخرون العصيان، فيحق عليه العذاب ولو كان تكوينيا لم يكن ثمة مجال لامتناع كثير من الناس عنه.

كما أنه لو كان التسبيح الذي تحدثت عنه الآية الثانية تكوينياً، فهو أمر معروف وظاهر يعرفه الناس كلهم، فلا يبقى معنى لقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾.

ومما يشير إلى ذلك أيضاً: قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا([25]).

وقال تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ([26]).

وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ([27]).

والآيات التي تدخل في هذا السياق كثيرة. ولا مجال لإثبات خلاف ذلك في تلك الموارد.


([1]) من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج4 ص229.

([2]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج5 ص116 و 117.

([3]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج14 ص113.

([4]) قد تقدمت في الجزء الأول من هذا الكتاب أقواله حول جوع النبي «صلى الله عليه وآله» إلى العاطفة.

وأقواله حول أن يوسف «عليه السلام» قد اندفع إلى امرأة العزيز كما يندفع الجائع إلى الطعام. فراجع و قارن.

([5]) من وحي القرآن ج14ص112.

([6]) حوارات في الفكر والسياسة والإجتماع ص248.

([7]) الآيات11 ـ 18 سورة الأعراف.

([8]) الآيات 30 ـ 44 من سورة الحجر.

([9]) الآيات 61 ـ 65 سورة الإسراء.

([10]) الآيات 73 ـ 85 من سورة ص.

([11]) لا يخفى على القارئ الكريم أن قصة عصيان إبليس أمر الله تعالى له بالسجود لآدم «عليه السلام» قد أشير إليها في الآية 34 من سورة البقرة. إلا أننا لم نذكرها هنا لأنها ليست سوى آية واحدة تشير إلى القصة على نحو الإجمال من دون الدخول في أية تفاصيل تنفع في توضيح ما نحن بصدده، والآية هي قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾[الآية 61 من سورة الإسراء].

([12]) راجع: الحوار في القرآن (مقدمة الطبعة الخامسة ـ ط سنة 1996م) ص32.

([13]) راجع: الحوار في القرآن (مقدمة الطبعة الثالثة) ص17 و 18 و 19.

([14]) الآية 11 من سورة فصلت.

([15]) الآية 88 من سورة القصص.

([16]) من وحي القرآن ج1 ص150 ـ 151.

([17]) الآيتان 26 و 27 من سورة الأنبياء.

([18]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج1 ص152 ـ 154.

([19]) الآية 11 من سورة فصلت.

([20]) الآية 65 من سورة يس.

([21]) الآيات 19 ـ 22 سورة فصلت.

([22]) الآيات 18 ـ 29 سورة النمل.

([23]) الآية 18 من سورة الحج.

([24]) الآية 44 من سورة الإسراء.

([25]) الآية 72 من سورة الأحزاب.

([26]) الآية 21 من سورة الحشر.

([27]) الآية 41 من سورة النور.

 
   
 
 

موقع الميزان