الفصل الخامس
الغاية
تبرر الواسطة !!
بل تنظفها !!
بـدايـــة:
هناك فتاوي كثيرة..
لا مجال لاستقصائها تهدف ـ ربما ـ إلى تكريس واقع معين،
ومعالجة الثغرات التي ربما لا يكون إبقاؤها في صالح شخص بعينه أو جهة
بخصوصها..
فتأتي الفتاوى لتؤيد، وتسدد، وتقوي، وتمنع وتعطي، وما
إلى ذلك..
ولسوف نكتفي في هذا الفصل بذكر نماذج تعطي الإنطباع
العام.. وليس الهدف من إيرادها إلا لفت نظر القارئ ليكون أكثر وعياً
وتنبهاً والتفاتاً لحقيقة ما يجري حوله.. وإن كنا نظن أن جميع ما
ذكرناه في هذا الكتاب بجميع أقسامه وفصوله كاف وشاف إن شاء الله.
والموارد التي اخترناها هي التالية:
1262ـ لا أعتقد أن ثمة من يقدر أن يشهد
بأعلمية أحد.
1263ـ الذين يشهدون مطلعون على علم
أستاذهم جاهلون بعلوم غيره.
1264ـ لا يمكن الإطلاع على كل الآراء
والتمييز بينها.
1265ـ الشهادة بالأعلمية ليست واقعية.
1266ـ ليس هناك أعلم.
1267ـ لا يوجد اعلم بشكل مطلق في
الدنيا كلها.
1268ـ على المقلد أن يعمل بالأحتياط في
الرجوع إلى الأعلم بعد موت مقلَّده.
سئل البعض:
من هم أصحاب الخبرة برأيكم؟! وهل هم من حضروا البحث
الخارج عند المجتهد لكي نعرف من خلالهم من هو الأعلم؟
فأجاب:
«لا أعتقد أن هناك شخصاً يقدر أن يشهد أن فلاناً أعلم؛
لأن أغلب الذين يشهدون بذلك هم حاضرون عنده، ومطلعون على علمه، ولكنهم
غير مطلعين على علوم الآخرين.
فالذي يشهد أن فلاناً أعلم يجب أن يطلع على كل آراء
العلماء، ويميز بينها. وهذا غير ممكن.
ولذلك نقول: إن الشهادة بالأعلمية هي ليست واقعية.
كما أننا نقول: أن ليس هناك أعلم، فلكل ورد رائحة.
ولا يوجد أعلم بشكل مطلق في الدنيا كلها»([1]).
ونقول:
إننا نلاحظ هنا ما يلي:
1 ـ
إن هذا البعض نفسه يقول:
«إن النفي يحتاج إلى دليل كما الإثبات يحتاج إلى دليل».
فهل اطلع على علوم علماء جميع من في الدنيا حتى صح
إطلاق هذا الحكم القاطع بأنه:
«لا يوجد أعلم بشكل مطلق في الدنيا كلها..»؟!
أم أن الله سبحانه قد أطلعه على غيبه بشكل استثنائي؛
فأخبر بذلك استناداً إلى ما أطلعه الله عليه؟!
ونطلب من القارئ الكريم أن يراجع ما قاله من: أنه لا
يوجد ملحد في العالم. إذ لا يمكن لأحد أن يدعي أنه قد فتش العالم كله
عن الله فلم يجده، حتى يصح له أن ينفي وجود الله.. فإن النفي يحتاج إلى
دليل..
فنحن نطالبه هنا بنفس ما استدل به هناك!!
2 ـ قوله:
«لا أعتقد أن هناك شخصاً يقدر أن يشهد أن فلاناً
أعلم..».
عجيب وغريب فإنه هو نفسه قد كان إلى الأمس القريب يشهد
بأن السيد الخوئي قدس سره هو الأعلم، وكان يدعو إلى تقليده بإصرار. وقد
استمر على ذلك إلى أن توفي ذلك العالم الكبير.
إلا أن يدعي:
أنه هو فقط القادر على أن يشهد بأن هذا أو ذاك أعلم(!!)
3 ـ
من أين عرف أن الذين يشهدون بأعلمية هذا أو ذاك غير
مطلعين على علوم الآخرين؟! فإن هذا يدخل في دائرة الطعن إما بعدالتهم،
إذا كانوا ملتفتين إلى الحقيقة، ولكنهم يصرون على أن يشهدوا زوراً..
أو رميهم بالغفلة إلى حد البله. وكيف يمكن أن نرمي بذلك
أمة تعد بالمئات من أهل العلم والفضل والإجتهاد، الذين خولهم وعيهم
العلمي واتزانهم أن يتبوؤا مقامات سامية في آفاق الفضيلة والمعرفة إلى
درجة الإجتهاد الذي يحتاج إلى الأفق الفكري الرحب، والقادر على استيعاب
المعارف في أدق تفاصيلها؟!
4 ـ والغريب هنا:
أنه هو نفسه لم يزل يقرر الأحكام التي تدور حول الأعلم،
فراجع مسائله الفقهية وفتاويه الواضحة وفقه الشريعة في مبحث التقليد..
فهل هو يشغل الناس بأمور غير واقعية، وغير قابلة للتحقق؟! وما المبرر
إذن لإشغاله الناس بذلك؟!
5 ـ
ويكفي أن نذكر هنا: أنه رغم إنكاره وجود الأعلم من
الأساس، فإنه هو نفسه يحكم على العامي الذي توفي مرجعه أن يحتاط
بالرجوع إلى الأعلم من الأحياء.
فقد سئل هذا البعض:
إذا كان شخص مقلداً لمن يقول بوجوب تقليد الأعلم كالسيد
الخوئي، ثم مات هذا المجتهد، فهنا يرجع المكلف إلى الحي ولا يصح له
التقليد، فبأي اعتبار يرجع إلى الحي، هل يرجع إلى الأعلم؟ أم يتخير بين
الأحياء؟!
فأجاب:
«لا بد له أن يعرف أن هناك رأيين رأي يقول: أن يرجع إلى
الحي الأعلم، وهذا موافق للإحتياط. وهناك رأي يقول عليه أن يرجع إلى
الحي، حتى لو لم يكن الأعلم.
فالمقلد لا بد له أن يتدبر أمره، ويعمل بالإحتياط، إذا
لم يكن ممن يملك الرأي في ذلك»([2]).
ونقول:
لماذا لم يقل لهذا السائل: لا يوجد أعلم في العالم؟!
وإذا كان يجيز تقليد غير الأعلم فلماذا لم يقل له: ارجع
إلى أي كان من المجتهدين؟!
وإذا كان يجيز البقاء على تقليد الميت، فلماذا لم يقل
له: ابق على تقليد من كنت تقلده؟!
وإذا كان يجيز تقليد الميت ابتداء، فلماذا لم يخيره بين
الأموات والأحياء؟!
وإذا كان أمره بالإحتياط لا ينافي ذلك كله.. فلماذا
ألزمه به، ولم يعطه فرصة للتخلص منه..
وإذا كان الإحتياط فتوى بالجواز، ويعد من يوجب الإحتياط
قائلاً بالجواز([3])،
فلماذا الإلزام به؟!
1269ـ لا أجوز التبعيض في التقليد.
1270ـ يجوز التبعيض في التقليد.
1271ـ تجويز التبعيض يحول التبعيض إلى
لعبة.
1272ـ لا أجوز التبعيض حتى لا تنتهك
حرمة الفتوى.
يقول البعض:
«هناك العديد من المسائل الحساسة التي لا أجوز فيها
التبعيض، حتى لا يتحول التبعيض من رخصة إلى لعبة تنتهك بها حرمة
الفتوى»([4]).
ونقول:
لقد بات واضحاً:
أنه حين يدل الدليل على جواز التبعيض، فهو أمر يرتبط
بالتماس الحجة على الحكم الشرعي. فلا يحق لأي فقيه أن يمنع منه بحجة
أنه يؤدي إلى انتهاك حرمة الفتوى، فإن على الفقيه أن يبين للمكلف
أحكامه الكلية الشرعية الفرعية.. على أساس أنه من أهل الخبرة في اكتشاف
تلك الأحكام من أدلتها.. وليس ولياً للناس يمنعهم من ممارسة هذا الحكم
أو ذاك. لمجرد أنه يتوهم أنهم يتلاعبون بالحكم..
2 ـ
إن تلاعبهم إن كان حلالاً فلا يصح المنع عنه، وإن كان
حراماً، فإنهم هم المسؤولون عنه، والمحاسبون عليه.
3 ـ
ولو صح هذا المنع هنا فلا بد أن يصح بالنسبة لسائر
الأحكام.. فهل يأتي يوم يمنع فيه الناس عن العمل بحكم الصلاة بحجة أنهم
قد يتلاعبون به، ويسيئون الاستفادة منه.. أو يمنع عن العمل بأحكام
الزنا واللواط بحجة أنهم أيضاً يتلاعبون بتلك الأحكام ويسيئون
الاستفادة منها؟!
فإذا كان يجوز للعامي أن يأخذ الفتوى من الشيخ الطوسي
فلماذا يمنعه هذا البعض عن أمر جائز له؟!.
4 ـ
ما معنى انتهاك حرمة الفتوى.. فان ذلك إذا كان جائزاً
فلا يتحقق الإنتهاك، وإذا لم يكن جائزاً فلماذا أفتى لهم المفتي به.
1273ـ يجوز تقليد الميت ابتداء.
1274ـ الأحوط وجوباً عدم جواز تقليد
الميت ابتداءً لبعض العناوين الثانوية.
1275ـ عدم جواز تقليد الميت ابتداء
لأنه يخل بأجواء المرجعية.
1276ـ نظام المرجعية مفيد للمسلمين.
ولذا جعلنا هذا التقليد احتياطاً وجوبياً.
قد أفتى البعض بجواز تقليد الميت ابتداءً، حتى لقد قال
بعد كلام مطول له، يحاول فيه إثبات عدم اشتراط الحياة في مرجع التقليد،
لا ابتداءً، ولا بقاءً:
«..لا نجد أساساً للحياة، ولا نعتقد أن ذلك يمثل مشكلة
في هذا الموضوع».
وقال:
«إنني اعتبر أن مسألة شرطية الحياة من الأمور التي لا
حساب لها أبداً في مسألة الحجة في كل المسيرة العقلائية.. والمسيرة
الفقهية ليست بدعاً من المسيرة الخ..»([5]).
ولكنه عاد فتراجع عن ذلك، حيث سئل:
هل صحيح أنكم عدلتم عن فتواكم بجواز تقليد الميت
ابتداء؟!
فأجاب:
«سجلنا في ذلك احتياطاً وجوبياً، من جهة بعض العناوين
الثانوية..»([6]).
وقد بين لنا هذا العنوان الثانوي بجلاء، حين قال في
إجابة أخرى له:
«..فعدم جواز تقليد الميت ابتداء من جهة أنه يخل بأجواء
المرجعية. فهناك من يقلد الشيخ الطوسي، وآخر يقلد الشيخ المفيد.
ولقد رأينا أن نظام المرجعية الذي هو نظام يستفيد منه
المسلمون الشيعة يختل بهذه الطريقة. ولذا جعلنا هذا التقليد احتياطاً
وجوبياً»([7]).
إننا نحب تذكير القارئ هنا بما يلي:
1 ـ
إن هذا الإحتياط الوجوبي لا يفيد شيئاً، ما دام أن
الإحتياط الوجوبي عنده ميل إلى القول بالجواز. بل هو يعد من يفتي
بالإحتياط الوجوبي بالمنع في جملة القائلين بالجواز([8]).
2 ـ
إن هناك من يتهم هذا البعض بأنه يفصّل الفتاوي على قياس
شخص بعينه، ويستند في ذلك إلى أمور كثيرة، لعل منها ما يذكره في شروط
المرجع، وما يقوله في مجالات النيل من العلماء، والمراجع.. حيث يصفهم
بأوصاف مخجلة، ومنفرة تتقزز منها النفوس، حين يصورهم على أنهم ألعوبة
أو أضحوكة، يعيشون ذهنية التخلف، وفي كهوف الظلام.. ويعانون من سطحية،
وسذاجة ظاهرة. بالإضافة إلى وصفهم بقلة الدين.. وما إلى ذلك..
وقد ذكرنا في هذا الكتاب بعضاً من هذه الأقاويل..
ونحن لا نحب أن ندخل في أجواء كهذه..
ولكننا نقول:
إن المرجعية وأجواءها لا تبرر التصرف في الأحكام
الشرعية.. ولا تجعل للمتصدي لمقامها ـ حتى لو كان تصديه مبرراً
ومقبولاً ـ لا تجعل له ولاية التصرف في أحكام الله، وأوامره ونواهيه.
وكنا ولا زلنا لا نحب أن نقول إن هذه الفتوى الإحتياطية!!
(على حد تعبيره) تصب في اتجاه تكريس كيان بعينه.. وترمي إلى شد أزر هذا
الكيان.. وقد كان من الحري إبعاد الفتوى والفتاوي عن هذه الأجواء.. لأن
دخولنا في أجواء كهذه قد يهيئ للبعض فرصة رمينا بما نحن منه براء والله
ولينا، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
3 ـ
ما معنى أن يمنع إنسان مّا الناس من العمل بحكم الله
تعالى، تحت شعار العنوان الثانوي، خصوصاً فيما يرتبط بأمر رجوع الناس
إلى الحجة الشرعية في دائرة التنجيز والتعذير؟! فهل يحق له ـ أساساً
ـ أن يصدر فتوى من هذا القبيل؟!.
4 ـ
وإذا أجاز لنفسه ذلك، فمن يدري؟! فلعله يفتينا بوجوب
اجتماع الناس على شخص واحد في التقليد فلا يجوز لهم تقليد سواه، ولا
يجوز لغيره أن يتصدى لهذا المقام.
فإن نظام المرجعية هو نظام يستفيد منه المسلمون الشيعة،
يختل إن لم يرجعوا إلى مرجع واحد..
5 ـ
ومن يدري، فلعله سوف يعين لهم اسم ذلك المرجع ومكانه..
ما دام أنه قد حدد لهم أوصافه في كتابه فقه الحياة. وفي كتابه: المعالم
الجديدة للمرجعية ص128 و122 و123 والندوة ج1 ص498 وغير ذلك.
6 ـ
وإذا كان حريصاً على مقام المرجعية إلى هذا الحد فلماذا
لم يكن حريصاً هذا الحرص على نظام ولاية الفقيه، فيصدر له الفتاوي التي
تحفظه، وتقويه. بدلاً من الإعلان بكثير من الإشكالات، التي لا محل أو
لا داعي لها في الملأ العام على الأقل..
1277ـ العلماء السابقون ليسوا أنبياء ولا أئمة..
1278ـ ما من فتوى إلا وهناك من العلماء من يوافقنى
فيها.
إن من يراجع:
احتجاجات البعض على صحة أقواله، يجده يردد باستمرار: إن
فلاناً قال كذا، وان فلانا الآخر قال كذا.. وهكذا..
بل هو يقول:
«..ما من فتوى إلا وهناك من العلماء من يوافقني فيها
الرأي»([9]).
ويقول:
«ما من فتوى أفتيها إلا وهناك فتوى مماثلة لأكثر من
عالم من علمائنا الكبار..»([10]).
ورغم أن هذا الكلام منه ليس دقيقاً، فهناك فتاوي عديدة
لا نجد من يوافقه عليها، مثل طهارة كل إنسان، وجواز النظر إلى عورة
المرأة المسلمة وإلى عورة الرجل المسلم إذا أسقطا حرمة نفسيهما، وأصرا
على التعري ولو مزاحاً.. وما إلى ذلك. وقد أشرنا إلى ذلك في المواضع
المناسبة من هذا الكتاب.
لكن ما يلفت نظرنا:
هو أنه لم يزل يهاجم العلماء السابقين، ويصغر من شأنهم، ويقول: نحن
رجال، وهم رجال. وكم ترك الأول للآخر. وما إلى ذلك.
ويكفي أن نذكر هنا ـ كنموذج ومثال ـ العبارة التالية:
«إن البعض يقول: إن العلماء السابقين لم يفتوا بهذه
الفتوى. والحال: أن العلماء السابقين ليسوا أنبياء ولا أئمة.
نعم.. إذا خالف العالم الله ورسوله فعندها يمكن
مؤاخذته. أما إذا خالف العلماء الآخرين من أمثاله فما هو الضير..».
ثم ذكر كيف أن السيد الحكيم أفتى بطهارة الكتابي، فخالف
بذلك مشهور العلماء قبله. «والسيد الخميني «رحمه الله» أفتى بحلية
الشطرنج، فيما كان كل علماء الشيعة وكثير من علماء السنة يفتون بحرمة
الشطرنج»([11]).
مع أننا قد ذكرنا:
أن السيد الإمام الخميني «رحمه الله» قد أفتى بحلية
الشطرنج إذا خرج عن كونه من آلات القمار، ولم يفت بحليته مطلقاً ليخالف
بذلك العلماء السابقين.
([1])
فكر وثقافة عدد 170 ص3 بتاريخ 9/2/1421 هـ.
([2])
فكر وثقافة عدد 180 بتاريخ 20/4/1421 هـ.
([3])
قد صرح بذلك، ونقلناه عنه في أكثر من مورد في هذا الكتاب.
([4])
فكر وثقافة عدد 182 ص3 بتاريخ 5/5/1421 هـ.ق.
([5])
فقه الحياة ص20 و 21.
([6])
فكر وثقافة عدد 175 ص4 بتاريخ 15/3/1421 هـ.
([7])
فكر وثقافة عدد 181 ص4 بتاريخ 28/4/1421 هـ.
([8])
فقه الحياة ص33 ـ 34 متناً وهامشاً.
([10])
فكر وثقافة عدد 4 ص2 بتاريخ 6/7/1996.
([11])
فكر وثقافة عدد 175 ص3 بتاريخ 15/3/1421 هـ.ق.
|