صفحة :245-270   

الفصل الأول: نصيحة أم سلمة.. أغلى من جمل عائشة!

نصوص وآثار..

عائشة وأم سلمة:

روى لنا المؤرخون ما جرى بين عائشة وأم سلمة، حين عزمت عائشة على المسير إلى البصرة لقيادة الجيوش لمحاربة علي «عليه السلام»..

وهي روايات متقاربة المضمون، وإن اختلفت العبارات المعبرة عنه. وقد رويت في العديد من المصادر([1]).

مناشدات أم سلمة لعائشة:

قال الشيخ المفيد «رحمه الله»:

«وبلغ أم سلمة اجتماع القوم وما خاضوا فيه، فبكت حتى اخضلَّ خمارها، ثم أدنت ثيابها فلبستها وتحفرت، ومشت إلى عائشة لتعظها، وتصدها عن رأيها في مظاهرة أمير المؤمنين «عليه السلام» بالخلافة، وتقعدها عن الخروج مع القوم.

فلما صارت إليها، قالت: إنك عدة رسول الله بين أمته، وحجابك مضروب على..» ([2]).

وقال الطبرسي «رحمه الله»:

روى الشعبي، عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي، قال:

كنت بمكة مع عبد الله بن الزبير، وطلحة والزبير، فأرسلا إلى عبد الله بن الزبير، فأتاهما وأنا معه، فقالا له: إن عثمان قتل مظلوماً، وإنَّا نخاف أن ينقض أمر محمد «صلى الله عليه وآله»؟! فإن رأت عائشة أن تخرج معنا، لعل الله أن يرتق بها فتقاً، ويشعب بها صدعاً.

قال: فخرجنا نمشي حتى انتهينا إليها، فدخل عبد الله بن الزبير معها في سترها، فجلست على الباب، فأبلغها ما أرسلا [ه به].

فقالت: سبحان الله، والله ما أمرت بالخروج، وما يحضرني من أمهات المؤمنين إلا أم سلمة، فإن خرجت خرجت معها.

فرجع إليهما، فبلغهما ذلك، فقالا: ارجع إليها، فلتأتها فهي أثقل عليها منا.

فرجع إليها فبلغها، فأقبلت حتى دخلت على أم سلمة.

فقالت لها أم سلمة: مرحباً بعائشة، والله، ما كنت لي بزوارة، فما بدا لك؟!([3]).

وفي الإختصاص: أن عائشة «أتت أم سلمة ـ وكانت بمكة ـ فقالت: يا ابنة أبي أمية كنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقمؤ في بيتك، وكان يقسم لنا في بيتك، وكان ينزل الوحي في بيتك.

فقالت: «يا بنت أبي بكر لقد زرتيني وما كنت زوارة، ولأمر ما تقولين تلك المقالة»([4]).

وعند أبي محنف: «وكان جبرائيل أكثر ما يكون في منزلك»([5]).

فقالت أم سلمة: لأمر ما قلت هذه المقالة.

فقالت عائشة: إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان، فلما تاب قتلوه صائماً في شهر حرام، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة، فاخرجي معنا، لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا([6]).

قال الطبرسي: «إن عائشة قالت لأم سلمة: «قدم طلحة والزبير، فخبرا: أن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوماً!!

قال: فصرخت أم سلمة صرخةً أسمعت من في الدار، فقالت: يا عائشة: أنت بالأمس تشهدين عليه بالكفر، وهو اليوم أمير المؤمنين!! قتل مظلوماً!! فما تريدين؟!

قالت: تخرجين معنا، فلعل الله بخروجنا أن يصلح أمة محمد «صلى الله عليه وآله».

قالت: يا عائشة، أتخرجين وقد سمعت من رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما سمعنا؟!

نشدتك بالله يا عائشة، أتذكرين يوماً كان يومك من رسول الله، فصنعت حريرة في بيتي، فأتيته بها، وهو «عليه وآله السلام» يقول:

«والله، لا تذهب الليالي والأيام حتى تتنابح كلاب ماء بالعراق، يقال لها: «الحوأب» امرأة من نسائي في فئة باغية».

فسقط الإناء من يدي، فرفع رأسه إلي، وقال: ما لك يا أم سلمة؟!

فقلت: يا رسول الله، ألا يسقط الإناء من يدي وأنت تقول ما تقول؟! ما يؤمنني أن يكون أنا هي؟!

فضحكت أنت. فالتفت إليك، فقال: مما تضحكين يا حمراء الساقين؟! إني أحسبك هي([7]).

وحسب رواية أبي مخنف: أنها قالت: «أذكرك أيضاً: كنت أنا وأنت مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأنت تغسلين رأسه، وأنا أحيس له حيساً، وكان الحيس يعجبه، فرفع رأسه وقال: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، فتكون ناكبة عن الصراط؟!

فرفعت يدي من الحيس، فقلت: أعوذ بالله ورسوله من ذلك.

ثم ضرب على ظهرك، وقال: إياك أن تكونيها.

ثم قال: يا بنت أبي أمية، إياك أن تكونيها.

ثم قال: يا حميراء، أما إني فقد أنذرتك.

قالت عائشة: نعم أذكر هذا ([8]).

ونشدتك بالله يا عائشة، أتذكرين ليلة أسرى بنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» من مكان كذا وكذا، وهو بيني وبين علي بن أبي طالب «عليه السلام» يحدثنا، فأدخلت جملك، فحال بيني وبين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فرفع مقرعة كانت عنده يضرب بها وجه جملك، وقال: أما والله ما يومه منك بواحد، ولا بليته منك بواحدة. أما إنه لا يبغضه إلا منافق كذاب»([9]).

وصرحت رواية أخرى: بأن ذلك كان في قديد غير أن ظاهرها: أن أم سلمة وعائشة لم يكونا قريبين منه «صلى الله عليه وآله» ومن علي، حيث قالت: «..فذهبت لتهجمي عليه، فقلت لك: رسول الله «صلى الله عليه وآله» معه ابن عمه، ولعل له إليه حاجة، فعصيتني ورجعت باكية.

فسألتك، فقلت: بأنك هجمت عليهما، فقلت: يا علي، إنما لي من رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم من تسعة أيام، وقد شغلته عني.

فأخبرتيني: أنه قال لك: أتبغضيه؟! فما يبغضه أحد من أهلي، ولا من أمتي إلا خرج من الإيمان.

أتذكرين هذا يا عائشة؟!

فقالت: نعم.

وفي نص آخر: أنه في قديد خلا بعلي «عليه السلام» فأطال.

وفيه: أنها لما هجمت عليهما وهما يتناجيان، وأنه «صلى الله عليه وآله» أقبل عليها وهو غضبان، محمر الوجه. وقال لها ما ذكرناه آنفاً.

قالت: فرجعت نادمة ساقطة([10]).

وأنشدك بالله، أتذكرين مرض رسول الله «صلى الله عليه وآله» الذي قبض فيه، فأتاه أبوك يعوده ومعه عمر ـ وقد كان علي بن أبي طالب «عليه السلام» يتعاهد ثوب رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ونعله، وخفه، ويصلح ما وهى منها، فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهي حضرمية، فهو يخصفها خلف البيت ـ فاستأذنا عليه، فأذن لهما، فقالا:

يا رسول الله كيف أصبحت؟!

فقال: أصبحت أحمد الله.

قالا: لا بد من الموت؟!

قال: أجل، لا بد من الموت([11]).

قالا: يا رسول الله! فهل استخلفت أحداً؟!

قال: ما خليفتي عليكم إلا خاصف النعل.

فخرجا، فمرا على علي بن أبي طالب «عليه السلام» وهو يخصف نعل رسول الله «صلى الله عليه وآله».

كل ذلك تعرفينه يا عائشة، وتشهدين عليه؟!([12]).

لكن رواية الإختصاص تقول: إنهما قالا له: يا رسول الله، إنا لا ندري قدر مقامك فينا، فلو جعلت لنا إنساناً نأتيه بعدك.

قال: أما أني أعرف مكانه وأعلم موضعه، ولو أخبرتكم به لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن عيسى بن مريم.

فلما خرجا خرجت إليه أنا وأنت، وكنت جريئة عليه، فقلت له: من كنت جاعلاً لهم؟!

فقال: خاصف النعل. وكان علي بن أبي طالب «صلوات الله عليه» يصلح نعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذا تخرقت، ويغسل ثوبه إذا اتسخ.

فقلت: ما أرى إلا علياً.

فقال: هو ذاك.

أتذكرين هذا يا عائشة؟!

قالت: نعم([13]).

لكن في رواية أبي مخنف: أن ذلك كان في سفر له «صلى الله عليه وآله»، وأن علياً «عليه السلام» كان قد أخذ نعل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، يخصفها في ظل سمرة، وأنهما قالا له:

يا رسول الله، إنا لا ندري قدر ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من تستخلف علينا، ليكون لنا بعدك مفزعاً.

فقال لهما: أما إني قد أرى مكانه، ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران، فسكتا ثم خرجا.

ثم ذكر ما تقدم آنفاً عن الإختصاص([14]).

وفي رواية المفيد هنا مناشدتان أخريان هما:

ويوم تبذلنا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» فلبست ثيابي ولبست ثيابك، فجاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فجلس إلى جنبك، فقال: أتظنين يا حميراء أني لا أعرفك.

أما إن لأمتي منك يوماً مراً، أو يوماً أحمراً. أتذكرين هذا يا عائشة؟!

قالت: نعم.

قالت: ويوم جمعنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» في بيت ميمونة، فقال: يا نسائي، أتقين الله، ولا يسفر بكن أحد([15]).

قال في رواية الطبرسي: ثم قالت أم سلمة: يا عائشة! أنا أخرج على علي بن أبي طالب بعد الذي سمعته من رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

فرجعت عائشة إلى منزلها فقالت: يا ابن الزبير! أبلغهما أني لست بخارجة من بعد الذي سمعته من أم سلمة.

فرجع فبلغهما.

قال: فما انتصف الليل حتى سمعت رغاء إبلهما، فارتحلت معهما([16]).

وفي الإختصاص: أن أم سلمة قالت لعائشة: أتذكرين هذا يا عائشة؟!

قالت: نعم، ما أقبلني لوعظك، وأسمعني لقولك، فإن أخرج ففي غير حرجٍ، وإن أقعد ففي غير بأسٍ. وخرجت، فخرج رسولها فنادى في الناس: من أراد أن يخرج فليخرج، فإن أم المؤمنين غير خارجة.

فدخل عليها عبد الله بن الزبير، فنفث في أذنها وقلبها في الذروة، فخرج رسولها فنادى من أراد أن يسير فليسر، فإن أم المؤمنين خارجة، فلما كان من ندمها أنشأت أم سلمة تقول:

لـو أن معـتـصـماً مـن زلـة أحد          كـانـت لعائـشة العتبى على الناس
كـم سـنـة لـرسـول الله تـاركـة          وتـلـو آي مـن الـقــرآن مـدراس
قـد يـنـزع الله من نـاسٍ عقولهم        حتى يكون الذي يقضي على الناس
فـيرحـم الله أم المـؤمنـين لـقــد         كـانـت تـبـدل إيحاشاً بإيناس
([17]).

النصيحة الأغلى:

وذكرت رواية الاختصاص: أن أم سلمة «رحمها الله» قد نصحت عائشة ـ قبل أن تنشدها بالأمور الخمسة ـ بالنصيحة التالية:

وبعض الروايات قالت: إن أم سلمة كتبت إليها بذلك([18]).

وفي بعض المصادر: أن أم سلمة دخلت على عائشة، وقالت لها ما يلي:

يا بنت أبي بكر، أبدم عثمان تطلبين؟! فلقد كنت أشد الناس عليه، وإن كنت لتدعينه بالتبري. أم أمر ابن أبي طالب تنقضين، فقد بايعه المهاجرون والأنصار، إنك سدة إلخ..([19]).

وحسب ما روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» أنه قال: دخلت أم سلمة بنت أبي أمية على عائشة لما أزمعت الخروج إلى البصرة، فحمدت الله، وصلت على النبي «صلى الله عليه وآله» ثم قالت: يا هذه، إنك سدة بين رسول الله وبين أمته، وحجابه عليك مضروب، وعلى حرمته (حرمه). وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه([20])، وضم ظفرك فلا تنشريه، وشد عقيرتك فلا تصحريها([21]).

إن الله من وراء هذه الأمة. وقد علم رسول الله «صلى الله عليه وآله» مكانك لو أراد أن يعهد إليك فعل، بل نهاك عن الفرطة في البلاد.

وفي معاني الأخبار: وقد عهد فاحفظي ما عهد، ولا تخالفي فيخالف بك.

واذكري قوله في نباح كلاب الحوأب.

وقوله: ما للنساء والغزو.

وقوله: انظري يا حميراء أن تكوني أنت عُلْتِ.

تابع الطبرسي: أنها قالت: إن عمود الدين لن يثأب بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن إن انصدع، حمادى النساء غض الأطراف [الأبصار وقصر الوهازة] وضم الذيول والأعطاف.

وما كنت قائلة لو أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» عارضك في بعض هذه الفلوات، وأنت ناصة قعوداً من منهل إلى منهل، ومنزل إلى منزل، ولغير الله مهواك، [إن بعين الله مهواك] وعلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» تردين، وقد هتكت عنك سجافه، ونكثت عهده [وتركت عهيداه].

وبالله أحلف: أن لو سرت مسيرك، ثم قيل لي: أدخلي الفردوس، لاستحييت من رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن ألقاه هاتكةً حجاباً ضربه علي فاتقي الله، واجعليه حصناً، وقاعة الستر منزلاً، حتى تلقيه.

[وفي نص آخر: اجعلي حصنك بيتك، ورقاعة الستر قبرك].

إن أطوع ما تكونين لربك ما قصرت عنه، وانصح ما تكونين لله ما لزمتيه، وأنصر ما تكونين للدين ما قعدت عنه، وبالله أحلف لو حدثتك بحديث سمعته من رسول الله «صلى الله عليه وآله» لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة.

[زاد في نص آخر: ثم قالت: لو ذكرتك من رسول الله «صلى الله عليه وآله» خمساً في علي صلوات الله عليه لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة، أتذكرين إلخ..] (ثم ذكرت مناشداتها لها)([22]).

وبعد ذلك قالت لها عائشة: ما أعرفني بموعظتك، واقبلني لنصحك، ليس مسيري على ما تظنين، ما أنا بالمغترة، ولنعم المطَّلع تطلعت فيه، فرقت بين فئتين متشاجرتين، فإن أقعد ففي غير حرجٍ، وإن أخرج ففي ما لا غنىً بي عنه من الازدياد في الأجر([23]).

قال الإمام الصادق «عليه السلام»: فلما كان من ندمها أخذت أم سلمة تقول:

لـو كـان معتـصـماً من زلة أحـد                 كـانـت لعائشة الـرتبى على الناس
مـن زوجـة لرسـول الله فاضلـة         وذكـر آي مـن الـقـرآن مــدراس
وحـكـمـة لم تـكن إلا لهـاجسها          في الصدر يذهب عنها كل وسواس
يـسـتـنـزع الله من قـومٍ  عقولهم                حتى يمر الـذي يقضي على الراس
ويـرحـم الله أم المـؤمــنـين لقـد                 تـبـدلـت لـي إيحـاشــاً بـإيـناس

فقالت لها عائشة: شتمتني يا أخت.

فقالت لها أم سلمة: لا، ولكن الفتنة إذا أقبلت غطت عين البصير، وإذا أدبرت أبصرها العاقل والجاهل([24]).

ونقول:

بيانات وتوضيحات:

ولا بد قبل متابعة الحديث من بيان معاني بعض الكلمات، كما يلي:

ضم ضفرك: يقال: ضفرت المرأة شعرها، أي نسجته عريضاً، والضفيرة: العقيصة.

العطاف ـ بالكسر ـ: الرداء.

القعود: البكر من الإبل حين يركب.

السجاف: الستر.

الرتبى: فُعْلى، من الرتبة أي المنزلة والدرجة، وفي بعض الروايات:

العتبى: وهو الرجوع عن الإساءة.

والبيت الثاني ـ في سائر الروايات هكذا ـ:

كـم سـنـة لـرسـول الله دارســة         وتـلــو آي مــن الـقرآن مـدارس

درس الرسم: أي زال وانمحى.

تلو: كأنه مصدر بمعنى التلاوة.

لا تندحيه: أي لا تفتحيه

عقيراك ـ بالتصغير ـ: عقر الدار، وهو أصلها.

الإصحار بالشيء: إبرازه.

عُلْتِ: أي ملت إلى غير الحق.

الفرطة في البلاد: أي التقدم والسبق فيها.

يثأب: يرد إلى استوائه.

يرأب: يُسد ويُلأم.

حماديات: جمع حمادي. وهو ما يحمد عليه.

ناصة قلوصاً: أي دافعةً لها في السير. النص هو السوق بعنف. والقلوص: الناقة.

مهواك: مرادك. أو الموقع الذي تستقرين فيه.

السدافة: الحجاب والستر. والسدفة شدة الظلمة.

عهيداه: أي الذي تعاهده ويعاهدك.

الرباعة: المنزلة.

الرقشاء: الحية التي في ظهرها رقش.

المطرق: المسترخي جفون العين.

العقيرة: الصوت.

ما أنا بمغتمزة بعد التغريد: أي أنني بعد ما أعلنت أمري لا أرجع إلى إخفائه، أو انني بعد رفعي صوتي، لا أسمح بأن يغمز فيَّ أحد، ويطعن علي

التغريد: هو التطريب بالصوت.

يقموء: قال ثعلب: يأكل ويشرب. وقيل: يدخل ويقيم.

الوهادة: المنخفض من الأرض.

بذخ: طال وتكبر.

الخبب: ضرب من العدو.

قديد: إسم وادٍ وموضع.

الجشيش: السويق.

التبذل: التزين. والإبتذال ضد الصيانة.

يسفر بكن: أي يخرجكن إلى السفر.

وقبل أن نبدأ ببيان ما ينبغي بيانه في هذه النصوص نشير إلى ما يلي:

هل حرف كتاب ابن أعثم؟!:

لقد لاحظنا: أن العلامة المجلسي «قدس سره الشريف»، قد نقل ما جرى بين أم سلمة وعائشة عن أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه.. ولكننا حين رجعنا إلى الكتاب المطبوع من الفتوح لابن أعثم وجدنا اختلافاً كبيراً بين ما نقله عنه المجلسي، وبين هذا المطبوع.

فإما أن تكون نسخ كتاب ابن أعثم قد جاءت مختلفة فيما بينها، أو تكون النسخة المطبوعة قد حرفت بهدف طمس الحقائق، أو تعمية السبل إليها..

ونرجح هذا الاحتمال الثاني، لكثرة ما رأينا من التحريفات، ولأن اختلاف النسخ لا يكون بهذا الحد بحسب العادة..

ولأجل إيضاح هذه الخيانة، نذكر كلا النصين هنا، وهما كما يلي:

1 ـ في المطبوع من الفتوح جاء النص هكذا:

إن عائشة قالت لأم سلمة «وهي يومئذ بمكة ـ قالت لها ـ: يا بنت أبي أمية! إنك أول ظعينة هاجرت مع رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأنت كبيرة أمهات المؤمنين وقد كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقسم لنا بين بيتك.

وقد خبرت أن القوم استتابوا عثمان بن عفان، حتى إذا تاب وثبوا عليه فقتلوه.

وقد أخبرني عبد الله بن عامر: أن بالبصرة مائة ألف سيف يقتل فيها بعضهم بعضاً، فهل لك أن تسيري بنا إلى البصرة، لعل الله تبارك وتعالى أن يصلح هذا الأمر على أيدينا؟!

قال: فقالت لها أم سلمة «رحمة الله عليها»: يا بنت أبي بكر! بدم عثمان تطلبين؟!

والله لقد كنت من أشد الناس عليه، وما كنت تسميه إلا نعثلاً، فما لك ودم عثمان؟! وعثمان رجل من بني مناف، وأنت امرأة من بني تيم بن مرة؟!

ويحك يا عائشة! أعلى علي وعلى ابن عم رسول الله «صلى الله عليه وآله» تخرجين، وقد بايعه المهاجرون والأنصار؟!

ثم جعلت أم سلمة «رحمة الله عليها» تذكِّر عائشة فضائل علي رضي الله عنه، وعبد الله بن الزبير على الباب يسمع ذلك كله، فصاح بأم سلمة وقال:

يا بنت أبي أمية، إننا قد عرفنا عداوتك لآل الزبير.

فقالت أم سلمة: والله، لتوردنها ثم لا تصدرنها أنت ولا أبوك! أتطمع أن يرضى المهاجرون والأنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة، وعلى ابن أبي طالب حي، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة؟!

فقال عبد الله بن الزبير: ما سمعنا هذا من رسول الله «صلى الله عليه وآله» قط.

فقالت أم سلمة «رحمة الله عليها»: إن لم تكن أنت سمعته فقد سمعته خالتك عائشة، وها هي فاسألها! فقد سمعته «صلى الله عليه وآله» يقول: علي خليفتي في حياتي ومماتي، فمن عصاه فقد عصاني. أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا؟!

فقالت عائشة: اللهم نعم!

قالت أم سلمة «رحمة الله عليها»: فاتقي الله يا عائشة في نفسك، واحذري ما حذرك الله ورسوله «صلى الله عليه وآله». ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب. ولا يغرنك الزبير وطلحة، فإنهما لا يغنيان عنك من الله شيئاً.

قال: فخرجت عائشة من عند أم سلمة وهي حنقة عليها.

ثم إنها بعثت إلى حفصة، فسألتها أن تخرج معها إلى البصرة، فأجابتها حفصة إلى ذلك([25]).

قال: فعند ذلك أذن مؤذن طلحة والزبير بالمسير إلى البصرة إلخ..([26]).

2 ـ أما النص الذي نقله المجلسي عن ابن أعثم، فهو كما يلي:

أقول: وروى أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه: أن عائشة أتت أم سلمة، فقالت لها: أنت أقرب منزلة من رسول الله «صلى الله عليه وآله» في نسائه، وأول من هاجر معه، وكان رسول الله يبعث إلى بيتك ما يُتْحَفُ له ثم يقسمه بيننا.

وأنت تعلمين ما نال عثمان في هذه الأمة من الظلم والعدوان، ولا أنكر عليه إلا أنهم استتابوه، فلما تاب ورجع قتلوه.

وقد أخبرني عبد الله بن عامر ـ وكان عامل عثمان على البصرة ـ: أنه قد اجتمع بالبصرة مائة ألف من الرجال يطلبون بثأره، وأخاف الحرب بين المسلمين وسفك الدماء بغير حل، فعزمت على الخروج لأصلح بينهم، فلو خرجت معنا لرجونا أن يصلح الله بنا أمر هذه الأمة.

فقالت: يا بنت أبي بكر! أما كنت تحرضين الناس على قتله، وتقولين: أقتلوا نعثلاً فقد كفر؟! وما أنت والطلب بثأره وهو رجل من بني عبد مناف وأنت امرأة من تيم بن مرة، ما بينك وبينه قرابة؟! وما أنت والخروج على علي بن أبي طالب أخي رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقد اتفق المهاجرون والأنصار على إمامته؟!

ثم ذكرت طرفاً من مناقبه، وعدَّت نبذة من فضائله.

وقد كان عبد الله بن الزبير واقفاً على الباب يسمع كلامها، فناداها: يا أم سلمة، قد علمنا بغضك لآل الزبير وما كنت محبة لنا، ولا تحبينا أبداً.

فقالت أم سلمة: أتريد أن نخرج على خليفة رسول الله، ومن علم المهاجرون والأنصار أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولّاه أمر هذه الأمة؟!

فقال: ما سمعنا ذلك من رسول الله.

فقالت: إن كنت لم تسمع فقد سمعته خالتك هذه، فاسألها تحدثك، وقد سمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب: أنت خليفتي في حياتي وبعد موتي، من عصاك فقد عصاني.. أهكذا يا عائشة؟!

فقالت: نعم سمعته من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأشهد بها.

فقالت أم سلمة: فاتّقي الله يا عائشة، واحذري ما سمعت من رسول الله وقد قال لك: لا تكوني صاحبة كلاب الحوأب.

ولا يغرّنك الزبير وطلحة، فإنهما لا يغنيان عنك من الله شيئاً.

فقامت عائشة مغضبة، فخرجت من بيتها([27]).

رواة هذا الحديث:

وهذا الحديث مروي في الإحتجاج، عن الشعبي، عن عبد الرحمان بن مسعود العبدي. ورواه في الإحتجاج أيضاً عن الإمام الصادق «عليه السلام».

ورواه السيد المرتضى «رحمه الله» في شرح قصيدة السيد الحميري «رحمه الله» عن أبي عبد الرحمان المسعودي، عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي كما ذكره العلامة المجلسي في البحار([28]).

ورواه ماجيلويه، عن عمه، عن محمد بن علي الكوفي، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن عقبة الأزدي، عن أبي الأخنس الأرجي.

ورواه أحمد بن أبي طاهر في بلاغات النساء.

ورواه ابن اعثم.. والمعتزلي، وآخرون.

ورواه في الإختصاص عن محمد بن علي بن شاذان، عن أحمد بن يحيى النحوي، أبي العباس، ثعلب، عن أحمد بن سهل، عن يحيى بن محمد بن إسحاق بن موسى، عن أحمد بن قتيبة، عن عبد الحكم القتيبي، عن أبي كبسة، ويزيد بن رومان.


([1]) راجع: الإحتجاج (ط بيروت) ج1 ص387 و 394 و 177 و (ط دار النعمان) ج1 ص243 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي قسم  الخطب، شرح الخطبة رقم 79 ج2 ص219 ومعاني الأخبار (ط النجف) ص356 والإختصاص ص116 و 120 والفتوح لابن أعثم ج6 ص281 ـ 283 و (ط دار الأضواء) ج2 ص454 ـ 455 والجمل للشيخ المفيد ص124 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص344 وشرح الأخبار ج1 ص401 ورسائل المرتضى ج4 ص66 وبحار الأنوار ج32 ص149 ـ 170 وعن بلاغات النساء. وراجع غريب الحديث لابن قتيبة، وعن الفائق للزمخشري، وابن الأثير في النهاية، وشرح القصيدة الذهبية للسيد المرتضى ص16.

([2]) راجع: الجمل ص236 و (ط مكتبة الدواري) ص126.

([3]) الإحتجاج ج1 ص387 ـ 388 و (ط دار النعمان) ج1 ص242 ـ 243 وبحار الأنوار ج32 ص149 ورسائل المرتضى ج4 ص66 و 67 .

([4]) الإختصاص ص116 وبحار الأنوار ج32 ص162 والنص والإجتهاد ص429 وأعيان الشيعة ج1 ص448 وغاية المرام ج6 ص289.

([5]) راجع: بحار الأنوار ج32 ص169 وغاية المرام ج1 ص242 وج6 ص287 و 289 والغدير ج9 ص83 والمعيار والموازنة ص27 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص217 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص205 وكتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج2 ص454 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص433 والنص والإجتهاد ص429.

([6]) بحار الأنوار ج32 ص169 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي (ط بيروت) ج6 ص219 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج6 ص217 والغدير ج9 ص83 وغاية المرام ج1 ص242 وج6 ص287 والنص والإجتهاد ص429 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص205 وكتاب الفتوح لابن أعثم ج2 ص454.

([7]) الإحتجاج ج1 ص388 و 389 و (ط دار النعمان) ج1 ص242 و 243 وبحار الأنوار ج32 ص149 و 150 ورسائل المرتضى ج4 ص67 .

([8]) بحار الأنوار ج32 ص170 وراجع ص163 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص216 و 217 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص206 و 291 وغاية المرام ج1 ص243 وج6 ص287 والنص والإجتهاد ص429  و 430 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص405 وفي الإختصاص ص118 و 119.

([9]) الإحتجاج ج1 ص389 و (ط دار النعمان) ج1 ص243 وبحار الأنوار ج32 ص150 ورسائل المرتضى ج4 ص67.

([10])  الإختصاص ص118 وبحار الأنوار ج32 ص163 والجمل لابن شدقم ص104 وأعيان الشيعة ج1 ص449 وغاية المرام ج1 ص243 وج6 ص290 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص217 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص206 و 291 .

([11]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص217 وبحار الأنوار ج32 ص150 و 169 والإحتجاج ج1 ص244 ورسائل المرتضى ج4 ص68 وشرح العينية الحميرية ص274.

([12]) الإحتجاج ج1 ص389 و 390 و (ط دار النعمان) ج1 ص244 وبحار الأنوار ج32 ص150 ورسائل المرتضى ج4 ص68.

([13]) الإختصاص ص119 وبحار الأنوار ج32 ص163 و 164 والجمل لابن شدقم ص105 و 106 وأعيان الشيعة ج1 ص450 و 451 وغاية المرام ج6 ص290 و 291.

([14]) نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص218 وبحار الأنوار ح32 ص170 والغدير ج2 ص319 و 365 والمعيار والموازنة ص29 والوضاعون وأحاديثهم للأميني ص482 والتحفة العسجدية ص129 و 130 وغاية المرام ج1 ص243 و 287.

([15]) الإختصاص ص119 وبحار الأنوار ج32 ص163 و 164 وغاية المرام ج6 ص291.

([16]) الاحتجاج للطبرسي (ط دار النعمان) ج1 ص244 الإختصاص ج1 ص390 وبحار الأنوار ج32 ص150 و 151 وشرح القصيدة الذهبية ص16.

([17]) الإختصاص ص119 و 120 وبحار الأنوار ج32 ص163 و 164 وغاية المرام ج6 ص291 ومعاني الأخبار ص376 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص514 وأعيان الشيعة ج1 ص450.

([18]) بحار الأنوار ج32 ص154 عن معاني الأخبار ( ط النجف) ص356 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص375 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص513 وبلاغات النساء لابن طيفور ص7 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص55 و (تحقيق الشيري) ج1 ص76 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص448.

([19]) الإختصاص ص116 وبحار الأنوار ج32 ص162 و الجمل لضامن ص102 والمعيار والموازنة ص27 وغاية المرام ج6 ص290 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص434.

([20]) أو: فلا تبذخيه.

([21]) في نص آخر: وسكن (سكنى) عقيراك فلا تضحي (تفضحي) بها.

([22]) الإختصاص ص117 و 118 وبحار الأنوار ج32 ص163 و ص154 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص55 و (تحقيق الشيري) ج1 ص76.

([23]) راجع المصادر التالية: الجمل ص236 ـ 237 وغريب الحديث لابن قتيبة ج2 ص182 ـ 186 والإمامة والسياسة ج1 ص56 ـ 57 وبلاعات النساء ص15 ـ 16 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص180 و 181 والعقد الفريـد ج4 ص316 ـ 317 = = وشرح الأخبار ج1 ص379 ـ 381 ومعاني الأخبار ص375 ـ 378 والإختصاص ص116 ـ 118 والفائق في غريب الحديث ج2 ص168 ـ 171 والإحتجاج ج1 ص244 ـ 245 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص219 ـ 224 وبحار الأنوار ج32 ص151 ـ 152. وجاء في بعض المصادر: أن أم سلمة كتبت إلى عائشة. وعن الفتوح ج1 ص456 و 457.

([24]) الإحتجاج ج1 ص391 ـ 394 و (ط دار النعمان) ج ص241 ـ 245 وبحار الأنوار ج32 ص151 و 152 ومعاني الأخبار ص375 و  376 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص513 و 514.

([25]) وفى تاريخ الأمم والملوك ج5 ص167 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص470 والفتنة ووقعة الجمل ص114 والثقات لابن حبان ج2 ص280: أرادت حفصة الخروج، فأتاها عبد الله بن عمر. فطلب إليها أن تقعد فقعدت، وبعثت إلى عائشة أن عبد الله حال بيني وبين الخروج.

فقالت: يغفر الله لعبد الله.

([26]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص282 و 283 و (ط دار الأضواء) ج2 ص454 و 455.

([27]) بحار الأنوار ج32 ص167 و  168.

([28]) بحار الأنوار ج32 ص151.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان