ـ الله يؤنب ويوبخ نبيه.

ـ نوح لم يلتفت إلى "إلا من سبق عليه القول".

ـ كلمة "من سبق عليه القول" لم تكن واضحة.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما  ليس لك به علم انك لا تعرف عمق الأسس التي تنطلق بها إرادتي فلا تسألني ما ليس لك به علم ولا تعش مع العاطفة وتنساق مع العاطفة فتختلط عليك الأمور إني أعظك أن تكون من الجاهلين إنني لا أريد لك  أن تكون من الجاهلين الذين يجهلون حقائق الأشياء ويجهلون مواقع رضا الله ومواقع إرادة الله سبحانه وتعالى، لاحظوا هذا الإسلوب القاسي الذي جابه به الله سبحانه وتعالى رسوله نوح ، من الطبيعي أن الله سبحانه وتعالى يعرف أن نوح الذي قضى عمره لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعوهم إلى الله ، إذاً لماذا سأل الله هذا السؤال ؟ طبعاً نوح عليه السلام انطلق في هذا المسألة ليتساءل لا ليعترض باعتبار كما أشرنا في ما سبق من حديث أنه هو الله سبحانه وتعالى قال احمل من كل زوجين اثنين وأهلك ما انتبه إلى من سبق فيتساءل الله قال لي احمل أهلك وهذا من أهلي ولم ينتبه إلى  كلمة إلا من سبق عليه ، استثناء أنه مش كل أهلك يعني ، هناك من أهلك من سبق عليه القول انه سيغرق في هذا المجال فأراد أن يتساءل، ولكن الله صاغ المسألة بهذه الطريقة القاسية من جهة الإيحاء للآخرين أنكم إذا اندفعتم في ما اندفع به نوح من موقع عاطفي على أساس أنكم تتحركون في عاطفتكم مع أولادكم حتى لو كانت العاطفة بعيدة عن الخط المتوازن في خط الإيمان فإن المسألة سوف تكون قاسية سوف يكون هذا جهلاً وسوف يكون هذا قولاً بغير علم وموقفاً غير متوازن ولذا نوح عندما واجه هذه قال ربي اني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم أنا لا أتحدث يا رب ، أنت أعظم وأجل وأكبر في نفسي من أن أتحدث إليك بشيء لا أملك فيه حجة على ما علمتني من ذلك كله، وأنا إذا كان هذا خطئ مني، وإذا كان هذا نسيان مني فأنا أرجو أن تغفر لي وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين . [ للإستماع إضغط هنا]

ويقول أيضاً:

وهي تجري بهم في موج كالجبال وهنا لاحت هناك لنوح التفاتة أن ولده لم يركب معه وكان هناك مجال لأن يركب معه وانطلق مع عاطفة الأب والله قال له أن يحمل فيها أهله ولم يكن قد انتبه في هذا الجو من الإنشغال لكلمة إلا من سبق عليه القول ولذلك نادى نوح ولده ونادى نوح ابنه وكان في معزل، كان في مكان بعيد عن أجواء والده، ونستطيع أن نفهم من طبيعة هذا الولد أنه كان ولداً متمرداً على أبيه وربما كان متأثراً بأمه وخصوصاً على أن الطفل عندما ينشأ إنما ينشأ في أحضان أمه ويتربى على أخلاق أمه لاسيما إذا كان الأب  مشغولاً بعمله ومشغولاً بعلاقاته وبأوضاعه لذلك لا بد للإنسان المؤمن إذا أراد لنفسه أولاداً مؤمنين لا بد أن يختار لهم أماً مؤمنة وفي بعد الحالات يعني في كناية عن الموضوع أن الإنسان يختار البيئة المؤمنة في بعض الحالات، اختاروا لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين يعني باعتبار أن يتأثر الإنسان مثلاً بخاله وبمجتمعه ، ونأخذ نحن هذه الفكرة نستوحيها من خلال قصة ولد نوح الذي تمرد على أبيه انطلاقاً من تأثره بأمه التي كانت منحرفة عن خط الرسالة. [للإستماع إضغط هنا]

ونقول:

إننا نسجل هنا ما يلي:

أولا: إنه ليس ثمة من دليل ملموس يدل على أن نوحا صلوات الله وسلامه عليه كان يعلم بكفر ولده، فلعله كان قد أخفى كفره عن أبيه، فكان من الطبيعي أن يتوقع عليه السلام نجاة ذلك الولد الذي كان مؤمنا في ظاهر الأمر، وذلك لأنه مشمول للوعد الإلهي، فكان أن سأل الله سبحانه أن يهديه للحق، ويعرفه واقع الأمور، فأعلمه الله سبحانه بأن ولده لم يكن من أهله المؤمنين، وأنه من مصاديق {من سبق عليه القول} فتقبل نوح ذلك بروح راضية راجع تفسير الميزان ج10ص232

ثانيا: إنه ليس ثمة ما يدل على أن نوحا عليه الصلاة والسلام قد عاش الحسرة على ولده، من حيث إنه ولده.. فإن الأنبياء يعيشون الحسرة على الكافرين لما يفعلونه بأنفسهم، لا لقرابتهم منهم.

والشاهد على ذلك ما حكاه القرآن عن نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث خاطبه الله بقوله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}.

ويقول: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}.

ويقول: {لعلك باخع نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين}.

غير أننا إن تأكد لدينا أن نوحا عليه السلام كان واقفا على كفر ولده، فإن من المعقول والمقبول جدا فهم موقف نوح، على أنه عليه السلام قد أراد أن يفهم الناس الذين نجوا وهلك أبناؤهم وآباؤهم وإخوانهم وأحباؤهم،أراد أن يفهمهم من خلال الوحي الإلهي: أن لا خصوصية لمن نجا من أهل نوح، كما لا خصوصية لمن هلك منهم ومن غيرهم، إلا ما يدخل في دائرة الإيمان، فلهم النجاة، أو في دائرة الكفر فلهم الهلاك..

وأراد أن يفهمهم أيضا أن القضية قد نالت فيمن نالت حتى نبي الله نوحا في ولده.. وأن هلاك ذلك الولد لم يكن فيه خلف للوعد الإلهي، لأن المقصود بالأهل الذين صدر الوعد بنجاتهم هم أهله المؤمنون.

ثالثا: إذا راجعنا الآيات نفسها، فلا نجد فيها أنه عليه السلام يطلب من ربه نجاة ولده، بل فيها أنه عليه السلام قد اعتبر رحمة الله ومغفرته هي الربح الأكبر، وبها تكون النجاة من الخسران.

ولأجل ذلك نجده عليه السلام قد قال: {إن ابني من أهلي} توطئة للرد الإلهي الذي سيحدد خصوصية الأهل الموعود بنجاتهم، وهم المؤمنون، دون الكافرين.. حيث قد سبق القول بإهلاك الكافرين سواء أكانوا من أهل نوح أو من غيرهم.

رابعاً: بالإضافة إلى ما تقدم نقول: إن نوحا عليه السلام قد طلب من ولده أن يركب معهم، فقال:

{يا بني اركب معنا، ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم}  سورة هود 32-43      

وهذا ـ أعني قوله تعالى: {ولا تكن مع الكافرين} يشير إلى أنه يراه مؤمنا، وأنه هو الذي رفض الركوب معهم، وعرض نفسه للهلاك مع علم نوح بأن التخلف عن ركوب السفينة معناه التعرض للهلاك المحتم، وكان هذا هو خيار ولده نفسه..

ثم أشار (عليه السلام) إلى ما يفيد أنه لم يكن بصدد طلب نجاة ولده، ولا كان يتهم الله تعالى بخلف وعده، حيث صرح (ع) أن وعد الله هو الحق..

وقبل أن يتقدم بأي طلب من الله كان التعليم الإلهي له: أن لا يسأله ما ليس له به علم.

إذن، فهناك شيء لم يكن نوح مطلعا عليه، حسب دلالة الوحي الإلهي، فجاءت استجابة نوح لتؤكد على أنه عليه السلام لم يسأله، ولن يسأله في المستقبل:

{فلا تسألن ما ليس لك به علم، إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال ربّ إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم سورة هود 46-47

ثم جاء قوله عليه السلام: { وإلا تغفر لي، وترحمني أكن من الخاسرين}  سورة هود 47  ليؤكد هذه الحقيقة، حيث إنه قد استعمل كلمة (لا) ولم يستعمل كلمة (لم)،ليفيد أنه لا يتحدث عن الماضي، حيث لم يصدر منه ما يحتاج إلى ذلك، بل هو يتحدث عن المستقبل.

ويتضمن هذا التعبير إشارة إلى أن طلب الأنبياء للمغفرة، إنما يراد منه طلب دفع المعصية عنهم، لا رفعها، كما هو معلوم عند أهله..

خامساً: إنه ليس ثمة ما يدل على أن نوحا عليه السلام، لم يلتفت إلى كلمة {إلا من سبق عليه القول} أو أن هذه الكلمة لم تكن واضحة حين الوحي، علما أن ذلك يخالف العصمة في البلاغ وفي التبليغ، وهي أمر عقلي، مسلّم وقطعي، عند جميع المسلمين، وليس في الآيات أيضا: أن نوحا قد عاش الحسرة على الكافر، حتى لو كان ذلك الكافر هو ولده بالذات.

سادساً: وأخيراً، هناك الكثير من الاحتمالات التي تتحملها الآيات بحيث تكون بعيدة عن وصم الأنبياء (ع) بهذه النقائص، ولا تتنافى مع (بلاغة القرآن)، فلماذا اختيار التفاسير التي تظهر أو تنسب نقيصة للنبي أو الولي، دون غيرها من التفاسير التي تنزههم عن مثل هذه النقائص؟!

 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان