اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
البـــــــــــرزخ
البرزخ في اللغة هو الحاجز بين الشيئين كما في مجمع البحرين .
وكلّ فصل بين شيئين برزخ كما في مجمع البيان .
وأفاد في المفردات : « البرزخ هو الحاجز والحدّ بين الشيئين ، قيل أصل برزخ : برزه ، ومنه قوله تعالى : ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ ) » .
هذا لغةً ، وعالم البرزخ في الإصطلاح هو ما بين العالَمَين الدنيا والآخرة كما أفاده في مرآة الأنوار .
ويلزم الإعتقاد بعالم البرزخ الذي هو ما بين الموت لكلّ إنسان والقيامة وما فيه من الاُمور ، كما أفاده السيّد الشبّر .
فالأحاديث العديدة الواردة في كتب الأخبار مثل الأحاديث التالية :
1 ـ ما في تفسير القمّي : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ) إلى قوله : ( إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ) فإنّها نزلت في مانع الزكاة ، قوله : ( وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) قال : البرزخ هو أمر بين أمرين ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ، وهو ردّ على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل يوم القيامة ، وهو قول الصادق () : « والله ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ ، فأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم » .
وقال علي بن الحسين (عليهما السلام) : « إنّ القبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيران » .
2 ـ حديث أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبدالله () قال : قلت له : جعلت فداك ! يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش ، فقال :
« لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، لكن في أبدان كأبدانهم »
والمعتقد الصحيح هو بقاء الأرواح كما صرّح به شيخ المحدّثين الصدوق (قدس سره) .
بل المستظهر من الأدلّة كالآيات الكثيرة والأخبار المستفيضة والبراهين القطعيّة هو أنّ النفس باقية بعد الموت في عالم البرزخ .. إمّا معذّبة كمن مُحض الكفر ، أو منعمة كمن محض الإيمان ، أو يلهى عنها كمن كان من المستضعفين ، وقد يذوق شيئاً من الجهد إن كان من العاصين .
ويدلّ على بقاء الروح ، الكتاب والسنّة بالبيان التالي :
ـ قوله تعالى : ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) حيث فسّر بجنّة الدنيا بدليل قوله عزّ إسمه « بكرةً وعشيّاً » فالبُكرة والعشي لا تكونان في الآخرة في جنان الخُلد بل هما في الدنيا .
فيستفاد من هذه الآيات الشريفة الحياة بعد الشهادة والموت لصراحة صفات الأحياء .
3 ـ دليل السنّة على بقاء الروح :
مثل أحاديث أحوال البرزخ نظير ما يلي :
1 ـ حديث الفضل بن شاذان من كتاب صحائف الأبرار : إنّ أمير المؤمنين () اضطجع في نجف الكوفة على الحصى فقال قنبر : يا مولاي ! ألا أفرش لك ثوبي تحتك ؟
فقال :
« لا إن هي إلاّ تربة مؤمن ، أو مزاحمته في مجلسه .
فقال الأصبغ بن نباتة : أمّا تربة مؤمن فقد علمنا أنّها كانت أو ستكون ، فما معنى مزاحمته في مجلسه ؟
فقال : يا بن نباتة ! إنّ في هذا الظهر أرواح كلّ مؤمن ومؤمنة في قوالب من نور على منابر من نور » .
2 ـ حديث قيس مولى علي بن أبي طالب () قال :
« إنّ عليّاً أمير المؤمنين () كان قريباً من الجبل بصفّين ، فحضرت
صلاة المغرب فأمعن بعيداً ، ثمّ أذّن ، فلمّا فرغ عن أذانه إذا رجل مقبل نحو الجبل ، أبيض الرأس واللحية والوجه ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بوصيّ خاتم النبيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والأعزّ المأمون ، والفاضل الفائز بثواب الصدّيقين ، وسيّد الوصيّين ; فقال له أمير المؤمنين () : عليك السلام ، كيف حالك ؟ فقال : بخير أنا منتظر روح القدس ، ولا أعلم أحداً أعظم في الله عزّ وجلّ اسمه بلاءاً ولا أحسن ثواباً منك ، ولا أرفع عند الله مكاناً ، اصبر يا أخي على ما أنت فيه حتّى تلقى الحبيب ، فقد رأيت أصحابنا ما لقوا بالأمس من بني إسرائيل ، نشروهم بالمناشير ، وحملوهم على الخشب ، ولو تعلم هذه الوجوه التَرِبَة الشائهة ـ وأومأ بيده إلى أهل الشام ـ ما اُعدّ لهم في قتالك من عذاب وسوء نكال لأقصروا ، ولو تعلم هذه الوجوه المبيضّة ـ وأومأ بيده إلى أهل العراق ـ ماذا لهم من الثواب في طاعتك لودّت أنّها قرضت بالمقاريض ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
ثمّ غاب من موضعه ، فقام عمّار بن ياسر ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وأبو أيّوب الأنصاري ، وعبادة بن الصامت ، وخزيمة بن ثابت ، وهاشم المرقال في جماعة من شيعة أمير المؤمنين () ـ وقد كانوا سمعوا كلام الرجل ـ فقالوا : يا أمير المؤمنين ! من هذا الرجل ؟ فقال لهم أمير المؤمنين () : هذا شمعون وصي عيسى () ، بعثه الله يصبّرني على قتال أعدائه ، فقالوا له : فداك آباؤنا واُمّهاتنا ، والله لننصرنّك نصرنا لرسول الله () ، ولا يتخلّف عنك من المهاجرين والأنصار إلاّ شقي ; فقال لهم أمير المؤمنين () معروفاً »
3 ـ حديث زيد الشحّام ، عن أبي عبدالله () قال :
« إنّ أرواح المؤمنين يرون آل محمّد () في جبال رضوى فتأكل من طعامهم ، وتشرب من شرابهم ، وتحدّث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا أهل البيت () فإذا قام قائمنا بعثهم الله وأقبلوا معه يلبّون زمراً فزمراً ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ، ويضمحلّ المنتحلون ، وينجو المقرّبون »