اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
روي : أنّ قنبراً مولى الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال ما مضمونه : بينما كنّا ذات يوم من الأيّام مع الإمام أميرالمؤمنين () في مسجد النبي ( وسلم) بالمدينة ، وهو يعظنا ويرشدنا ، ويحذّرنا من النّار ، ويرغّبنا في الجنّة ، إذا بأعرابي قد أقبل نحو المسجد ، فأناخ راحلته على باب المسجد ودخل متّجهاً نحونا ، حتّى إذا وصل إلينا سلّم علينا وخصّ أميرالمؤمنين () بالتحيّة والسّلام وقبّل يده الكريمة ووقف بين يديه وكأنّه يطلب إليه حاجة ، فقال له الإمام أميرالمؤمنين () برأفة وحنان : يا أخا العرب كأنّك جئتنا في حاجة ، فما هي حاجتك فإنّها مقضيّة إن شاء الله تعالى ؟
فقال الأعرابي : يا أميرالمؤمنين أنت أعلم بها منّي .
قال قنبر : عندها إلتفت إليّ الإمام أميرالمؤمنين () وقال : يا قنبر ! امض إلى المنزل وقل لمولاتك السيّدة زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله ( وسلم) تناولك السفط الفلاني في موضع كذا وكذا .
فقلت : سمعاً وطاعة ، وحبّاً وكرامة لله تعالى ولسيّدي ومولاي الإمام أميرالمؤمنين () .
قال قنبر : فقمت مسرعاً ، ومضيت إلى منزل أميرالمؤمنين () ، وطرقت الباب مرّتين ، وفي الثّالثة جاءت فضّة وراء الباب وقالت : من الطّارق ؟
أجبتها قائلاً :أنا قنبر مولى الإمام أميرالمؤمنين () وخادم أهل البيت (عليهم السلام) .
فقالت فضّة : أهلاً ومرحباً بك ، وما حاجتك يا قنبر ؟
فأخبرتها بما قال لي سيّدي ومولاي وما يريده .
فقالت فضّة : مكانك حتّى آتيك به ، فوقفت بالباب أنتظر مجيأها ، وإذا بي أسمع جلبة الفرح وصخب السّرور يعلو من داخل المنزل ، فتعجّبت وانتظرت حتّى إذا رجعت إليّ فضّة وأتتني بالسّفط ، سَألتها عن سبب ذلك .
فقالت فضّة : لقد ولد السّاعة للإمام أميرالمؤمنين () غلام أزهر كأنّه فلقة قمر .
فقلت لها وقد امتلأت أنا الآخر فرحاً وسروراً : وممّن هذا المولود الأغرّ ؟
قالت فضّة : إنّه من أمّ البنين فاطمة بنت حزام الوحيدية الكلابية ، ثمّ أضافت قائلة : وقد أوصتني سيّدتي وسيّدتك : السيّدة زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله ( وسلم) أن أقول لك : إذا رجعت إلى مولاي ومولاك الإمام أميرالمؤمنين () فبشّره بولادة هذا المولود الأغرّ ، واسأله عن اسمه وكنيته ولقبه .
فقلت وأنا لا أمتلك نفسي بهجة وفرحاً : حبّاً وكرامة ، وسمعاً وطاعة ، ثمّ هنّأتها وودّعتها ، وأقبلت بالسّفط مع البشارة بالمولود الجديد ، مسرعاً إلى سيّدي ومولاي الإمام أميرالمؤمنين () ، فلمّا سلّمته السّفط وقفت بين يديه لاُبشّره بما عندي من خبر الولادة ، غير أنّي بقيت أترصّد الفرصة المناسبة لإعلان هذا الخبر ، وتقديم هذه البشارة السارّة ، حتّى إذا فرغ الإمام أميرالمؤمنين () من حاجة الأعرابي وأعطاه ذلك السّفط إلتفت إليّ وقال مبادراً : ما وراءك يا قنبر ، فإنّي أرى أثر البهجة والسّرور طافحاً على أسارير وجهك ؟
فقلت وقد رأيت الفرصة مناسبة : نعم يا سيّدي ومولاي لقد جئتك ببشارة .
فقال () : وما هي تلك البشارة يا قنبر بشّرك الله بالجنّة ؟
قلت : لقد وُلد لك يا سيّدي ومولاي غلام أغرّ .
فقال () : وممّن هذا المولود الجديد ؟
قلت : لقد سألت عن ذلك فضّة عندما أخرجت إليّ السّفط ، فقالت : إنّه من أمّ البنين فاطمة بنت حزام الوحيدية الكلابية ، كما وأنّها قالت لي : بأنّ سيّدتي السيّدة زينب () أوصتني أن أبشّرك بهذا المولود ـ عندما أرجع إليك ـ وأن أسألك عن اسمه وكنيته ولقبه .
فلمّأ سمع الإمام أميرالمؤمنين () ذلك تهلّل وجهه فرحاً وسروراً ، وشكرني على هذه البشارة ، وقال : يا قنبر ! إنّ لهذا المولود شأناً كبيراً عند الله ، ومنزلة عظيمة لديه ، وأسماؤه وكناه وألقابه كثيرة ، وسأمضي أنا بنفسي إلى المنزل لإنجاز ما سنّه لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للمولود عند الولادة وبعدها من سنن الإسلام ، فهيّا بنا إلى ذلك يا قنبر .
ثمّ إنّ الإمام أميرالمؤمنين () قام من مجلسه ذلك ، وودّع أصحابه ومن كان معه ، ثمّ خرج من مسجد رسول الله ( وسلم) متّجهاً نحو البيت ، فلمّا دخل المنزل سلّم على عادته ولاستحبابه على من كان في المنزل من أهله وأسرته ، الّذين كانوا بانتظار قدومه ، وحيّاهم بتحيّة الإسلام ثمّ قال : إيتوني بولدي .
فقوبل () بالتحيّة والبشارة ، ثمّ جيء بولده إليه ملفوفاً في خرقة بيضاء ، ومقمّطاً بها ، فأخذه وضمّه إلى صدره ، ونثر قبلاته الحارّة على وجهه وخدّيه ، ثمّ أذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في اُذنه اليسرى ، وبعدها أخذ الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) يطيل النّظر إليه .
وهنا تمطّى المولود الجديد لأمّ البنين في قماطه حتّى قطعه ، وأخرج كلتا يديه من القماط ، ممّا أثار بذلك ذكريات الإمام أميرالمؤمنين () الّتي كانت في
ذاكرته ممّا نزل بها جبرئيل في حقّ هذا الوليد الجديد من عند الله تبارك وتعالى على رسول الله ( وسلم) ، وأخبره بها رسول الله ( وسلم) من كيفيّة شهادته في نصرة إمامه الإمام الحسين () في طفّ كربلاء .
عندها اغرورقت عينا الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) بالدّموع ، وتناثرت قطرات الدّمع على خدّيه كالدّرر ، ورطّبت كريمته الشّريفة ، فنظرت إليه إحدى النّسوة وقالت : ما يبكيك يا أبا الحسن ونحن في هذه السّاعة في فرح وسرور ، وابتهاج وحبور ؟
فالتفت إليها أميرالمؤمنين () وهو يكفكف دموعه بيديه الكريمتين وقال لها ما مضمونه : لا تلوميني ، فإنّي لمّا نظرت إلى هاتين اليدين وتمطّيه في القماط ، تذكّرت تمطّيه على جواده في كربلاء ، وانفصال يديه عن جسمه يوم عاشوراء ، ثمّ أخذ يبكي ويكثر من قوله () : ما لي وليزيد ؟
الخصائص العباسيّة - محمد إبراهيم الكلباسي
لا تنسونا من صالح دعائكم
يــــــ زهراء ــــــا مـــــــــدد
توقيع عبـد الرضا
أفصبراً يا صاحب الأمر والخطب جليل يذيب قلب الصّبور
كيف من بعد حمرة العين منها تهنى بطرفٍ قرير !!
فإبكِ لها وإزفر لها فإنّ عداها منعوها من البكاء والزّفير !