حقيقة موقف أبي ذر

   

صفحة :   

حقيقة موقف أبي ذر :

وبعد ما تقدم نقول:

إن أبا ذر لم يكن يؤمن بوجوب إنفاق كل ما زاد على النفقة، ولا كان ينكر على الهيئة الحاكمة تملك الأموال.. ولا كان يدعو إلى التزمت وترك الدنيا، والإعراض عنها بحيث يضر بالعيش، وعمران الحياة.. ولا كان يدعو إلى الانفاق الواجب الزائد على الزكاة، مما لابد منه في السبيل الواجب.

وإنما هو يقول بجواز ملكية كل ما يأتي بالطرق المشروعة، بعد إخراج حقوق الله منه، من الزكاة والخمس، وما إلى ذلك، ولا يجب إنفاقه.

ولكنه ينكر على الحكام، والولاة، وعلى معاوية والأمويين استئثارهم ببيت مال المسلمين، وانفاقه على شهواتهم، ومآربهم، ولذائذهم الشخصية، وحرمان الآخرين منه.

وما جرى بين أبي ذر وبين كعب الأحبار لم يكن هو لب المشكلة وأساسها، لكي يتشبث به العلامة الطباطبائي. ويبني كل خلاف إبي ذر مع الحكام عليه.. بل كان مفردة عابرة استفاد منها عثمان لقدح زناد التنكيل بأبي ذر، ومباشرة نفيه إلى الربذة، ليموت هناك جوعاً وضراً.. إن ما أنكره أبو ذر هو الذي حذره منه رسول الله أصحابه وأمته من أن بني أبي العاص سيتخذون بمال الله دولاً وعباده خولا ودينه دخلا وأحاديث أخرى. وعمر بن الخطاب أيضاً قد حذر عثمان من هذه الأمور وهذه الطريقة في الحكم والإدارة والتصرف، وأكد له أن المسلمين وعلى رأسهم الصحابة سيثورون عليه، إن فعل ذلك. وحذر منه أيضاً علي وعمار، وأبو ذر، وغيرهم كسعد وعبد الرحمان. وكل هذه الإعتراضات والإحتجاجات إنما هي على الإستئثار بالأموال العامة، أعني أموال المسلمين لا الأموال الخاصة التي جمعت من طرق مشروعة فإنه لم يناقش احد، لا أبو ذر ولا غيره في المقدار المسموح منها وغير المسموح ولا تجد لذلك أثراً أبداً.

 
   
 
 

موقع الميزان