موقف أبي ذر

   

صفحة :   

موقف أبي ذر :

وقد عمل أبو ذر وصية النبي «صلى الله عليه وآله» له بان يصبر حتى يلقاه، فصبر على الشدائد، وكافح الصعوبات، وتحمل كل تلك الإهانات القاسية، ولم يتنازل عن مبدئه، ولم يساوم على دينه ولم يتزحزح قيد شعرة.

ولكنه لم يلجأ إلى حمل السيف والقتال؛ لأن النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» قال: إن الصبر حتى يلقاه خير من ذلك.. لأنه «صلى الله عليه وآله» يعرف أن قتله لا يجدي، بل قد يفجر الأمور بنحو يوقع الناس في محنة أشد، وبلاء أعظم.

فالنبي «صلى الله عليه وآله» يؤيد موقف أبي ذر من الحكام، ولا يمانع أن يعلن رأيه في مخالفاتهم تلك.. ولكنه يرشد أبا ذر إلى أن هذا الإعلان يجب أن لا يتطور إلى القتال؛ لأن ذلك ربما يضر بهدف أبي ذر الأسمى، ومبدئه الأعلى.. أو على الأقل لن يكون له نفع يذكر فيه، للدين وأهله.

فتحمل أبو ذر مشاق النفي إلى الربذة أبغض الأمكنة إليه، وأشدها صعوبة عليه.. ولكنهم لم يتركوه، بل لحقوه إلا هناك، كما ظهر من فعل حبيب بن مسلمة، ومحاولة إغرائه بالمال؛ للأهداف المتقدمة.. فآثر الجوع على المال، لأنه لا يريد أن يصبح رقيقاً لغير الله..

يلاحظ: أنهم حين نفوا أبا ذر إلى الربذة «أخرج معاوية إليه أهله؛ فخرجوا، ومعهم جراب مثقل يد الرجل، فقال: انظروا إلى هذا الذي يزهّد في الدنيا ما عنده!

فقالت امرأته: والله، ما هو دينار ولا درهم، ولكنها فلوس، كان إذا خرج عطاؤه ابتاع منه فلوساً لحوائجنا..»([1]).


 

([1]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص336 والكامل في التاريخ ج3 ص115 و 116.

 
   
 
 

موقع الميزان