وهناك ملاحظات ثلاث أشرنا إليها في تضاعيف كلامنا
السابق.. واشار إليها بعض الأعلام أيضاً بإيجاز.. نعيد التذكير بها
هنا.
وهي التالية:
أولاً:
إن الأمويين لم يستطيعوا أن يقبلوا أبداً: أن يكون المال مال الله،
ويجب إنفاقه على عباد الله، وفي سبيل الله، بل كانوا يرون: أن ما في
بيت المال ملك لهم. ولهم فقط.
ويدل على ذلك:
1 ـ
ما ورد: من أنه لما قتل عثمان
أرسل
علي «عليه السلام» فأخذ ما كان في داره من السلاح، وإبلاً من إبل
الصدقة، ورده إلى بيت المال، فقال الوليد بن عقبة أبياتاً منها:
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم
ولا تـنـهـبـوه لا تحـل مـنـاهـبــه
بني هـاشم كيـف الهـوادة
بـيـنـنا وعـنـد عـلي
سـيـفـه ونـجـائـبـه
بني هـاشـم كيـف التودد
بـيـنـنا وتبر ابن أروى عندكـم وجـوائـبه
ومنها عند أبي الفرج:
بني هـاشـم لا تـعـجلـوا بإقـادة
سـواء عـلـيـنـا قـاتـلوه وسالـبـه
فقد يجبر العظم الكسـير
وينـبري لـذي الحـق يـوماً حقه فيطالبه([1])
وقال
المفيد:
«..قد ذكر الناس في هذه الأدراع والنجائب:
أنها
من الفيء الذي يستحقه المسلمون؛
فغلب عليها
عثمان
، واصطفاها لنفسه؛ فلما بايع الناس علياً انتزعها «عليه
السلام» من موضعها؛ ليجعلها في مستحقيها»([2]).
2 ـ
قول سعيد بن العاص: السواد بستان لقريش: فجرى بينه وبين صلحاء الكوفة
ما جرى من اعتراضهم عليه؛ فانتصر عثمان
، والأمويون له. وكان لذلك مضاعفات ليس هنا محل ذكرها..([3]).
3 ـ
قول معاوية
المتقدم: إن مال الله لهم، والأرض أرضهم، فاعترض عليه
صعصعة تارة، والأحنف أخرى.
4 ـ
وقالوا: إن علياً «عليه السلام» «أمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بها
عثمان
حيث أصيبت،
أو أصيب أصحابها . فبلغ ذلك عمرو بن العاص، وكان بأيلة من أرض الشام
،
أتاها حيث وثب الناس على عثمان
، فنزلها فكتب
إلى معاوية
: ما كنت صانعاً فاصنع، إذ قشرك ابن أبي طالب من كل مال
تملكه كما تقشر عن العصا لحاها»([4]).
5 ـ
كان ابن برصاء الليثي من جلساء مروان بن الحكم ومحدثيه، وكان يسمر معه.
فذكروا عند مروان الفيء، فقالوا: مال الله. وقد بين الله قسمه، فوضعه
عمر مواضعه!!
فقال
مروان:
المال مال أمير المؤمنين معاوية
، يقسمه فيمن يشاء، ويمنعه ممن يشاء، وما أمضى فيه من
شيء فهو مصيب فيه !! الحديث..([5]).
ثانياً:
إن هؤلاء الغيورين على الخليفة الثالث، وعلى معاوية
، والأمويين، والذين وصموا أبا ذر
من أجل ذلك بالمزدكية تارة وبالإشتراكية أخرى، وباليهودية ثالثة،
وجعلوه مخالفاً لما ثبت ضرورة من الدين رابعة ـ إن هؤلاء ـ قد ابتلوا
بأعظم مما وصموه به، فقد دخلت الشيوعية إلى أروقة الأزهر نفسه، وهو
المؤسسة التي أصدرت الفتوى الظالمة في حق أبي ذر
، ودخلت أيضاً دوائر الأوقاف في مصر (كما يقول صلاح الدين المنجد في
كتابه: بلشفة الإسلام)، وأصبح نفس شيخ الأزهر عبد الحليم محمود في وقته
يذهب لاستقبال الزعيم الشيوعي، ألكسي كوسيغين، في مطار القاهرة، ولا من
يرد، ولا من يسمع..
ثالثاً:
إنه بعد أن دخلت خلافة عثمان
في جملة عقائد
بعض الفرق، ورأى أصحابها ما فعله الخليفة بأبي ذر الصحابي العظيم، لم
يكن لهم مناص إلا بأن ضحوا بأبي ذر من أجل الحفاظ والإبقاء على عثمان
،
فنسبوا إليه ما نسبوا مما لا
يشك
بفساده أحد.
([1])
راجع: الجمل للشيخ المفيد ص111 و 112 والأغـاني لأبي الفرج ج4
ص176 و 175 و 188 و 189 ومروج الذهب ج2 ص356 و 357 والكامل في
الأدب ج2 ص44 ونسب قريش لمصعب الزبيري ص139 و 140 وشرح نهج
البلاغة للمعتزلي ج1 ص270 وحياة الإمام الحسين «عليه السلام»
للقرشي ج1 ص403 وراجع: الإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1552
وتاريخ مدينة دمشق ج39 ص541 .
([2])
الجمل للشيخ المفيد ص116.
([3])
راجع: الغدير ج9 ص31 و 32 فإنه قد ذكر لذلك العديد من المصادر.
إضافة إلى مصادر أخرى تقدم ذكرها.
([4])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص270 والغدير ج8 ص287 والإمام علي
بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص665.
([5])
تهذيب الكمال ج7 ص179 وتاريخ مدينة دمشق ج15 ص115 وج38 ص250
والإصابة ج1 ص688 ونسب قريش لمصعب الزبيري، وتهذيب تاريخ ابن
عساكر ج4 ص422 بتصرف. ونقله المعلق على نسب قريش عن: الأغاني
ج4 ص186 ـ 187 وعن الطبري ج2 ص278 وعن الإصابة.
|