صفحة :   

لا أوامر مولوية قبل التشريع:

لقد حاول بعض الأعلام أن يقول ما ملخصه:

قال تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ([1]).

فهذه الآية أشارت إلى أن التشريعات التفصيلية قد أنزلت لآدم «عليه السلام» وذريته بعد الأمر الثاني بالهبوط، الذي هو أمر تكويني متأخر عن الكون في الجنة، والأكل من الشجرة، فحين الأكل منها لم يكن دين مشروع، ولا تكليف مولوي، فلا يتحقق ذنب عبودي، ولا معصية مولوية، بل هو ظلم نفس.

أما معصية النهي والأمر فهي بمعنى عدم الانفعال عن الأمر والنهي، سواء أكان مولوياً أو إرشادياً. وليس هو معصية مولوية.

وهو غواية لعدم تمكنه من حفظ المقصد، وتدبير نفسه في معيشته بما يلائم المقصد([2]).

ونقول:

إن هذا الكلام لا يمكن قبوله، وذلك لأن إنزال الشرائع، وإن كان قد تم بصورة فعلية بعد هبوط آدم «عليه السلام» إلى الأرض.. غير أن كون النهي عن الشجرة مولوياً أو غير مولوي، ليس مرتبطاً بذلك.. إذ لا مانع من أن يكون هذا الأمر الموجه للنبي آدم مولوياً، تماماً كما كان أمر الله تعالى للملائكة ولإبليس بالسجود لآدم «عليه السلام»، مولوياً أيضاً.

 ولأجل ذلك استحق إبليس اللعن والطرد إلى يوم الدين، لمجرد مخالفته للأمر المولوي الإلهي الموجه إليه.

فلا يصح جعل عدم تشريع الدين إلا بعد الهبوط الثاني، دليلاً على عدم وجود معصية مولوية، وعدم تحقق ذنب عبودي، وانحصار الأمر بظلم النفس. إذ يمكن أن يوجه الله تعالى أمراً ونهياً لآدم «عليه السلام»، لا تجوز له مخالفته. حتى في تلك المراحل المتقدمة أيضاً.


 

([1]) الآيتان 38 و 39 من سورة البقرة.

([2]) راجع: تفسير الميزان ج1 ص137 و138 بتصرف وتلخيص.

 
   
 
 

موقع الميزان