صفحة :   

الإلزام لا يتوقف على التشريع:

وغني عن القول: إن الأوامر المولوية ليست منوطة بالتشريع وجوداً وعدماً، ليقال: إنه لم يكن قبل هبوط النبي آدم «عليه السلام» إلى الأرض تشريع. فلم يكن هناك أوامر ملزمة.

وذلك لأن التشريع إنما جاء لينظم علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبمجتمعه، ومحيطه.. وفق ملاكات المصالح والمفاسد الواقعية..

ولكن للأوامر المولوية ملاكات أخرى غير ملاكات المصالح والمفاسد، وهو ملاك المولوية والعبودية، والمالكية والمملوكية، وحق الأبوة، فإنه أيضاً منشأ للإلزام ببعض الأوامر، وحق الألوهية والربوبية على المألوه والمربوب..

فإن هذا الأمر مما يلزم به عقلاء البشر بعضهم بعضاً، ويتعاملون على أساسه، ومن خلاله، ولا يربطونه بتشريع إلهي، بل هم يرونه حقاً طبيعياً، يفرض نفسه على واقع حياتهم، ومعاملاتهم، فحق المالك على مملوكه، والمولى على عبده، والخالق، والرب والإله، على مخلوقه و.. و.. يفرض نفسه، حتى قبل نزول الشرائع..

بل إن هذا القانون هو الذي يفرض على الناس الالتزام بالشرائع، وإطاعة الأوامر الإلهية، هو قانون تحكم به العقول..

والنبي آدم «عليه السلام» هو صفوة الله، الذي يمتاز بكمال العقل، وبالخلوص، والصفاء، من الجهالات، والشهوات، والشبهات، التي يمكن أن تؤثر على العقل في قراراته، وأحكامه، وإدراكاته..

وبذلك استحق النبي آدم التكريم الإلهي، فجعله الله حين خلقه قبلة لسجود الملائكة، واستحق إبليس الطرد من رحمة الله حين أبى واستكبر عن السجود إليه..

ولعلك تقول: إن النبي آدم «عليه السلام» قد خلق للأرض، ولم تكن شريعتها الخاصة بها قد وضعت بعد.. أما إبليس والملائكة فلهم أحكام أخرى، فهم مؤاخذون بما قد يختلف عما يؤاخذ به الأرضيون..

ويجاب عن ذلك: إن ما يطلب من إبليس ومن النبي آدم «عليه السلام» شيء واحد، ومن سنخ واحد، وهو أن يكونا معاً في موقع العبودية والطاعة لله تعالى، قضاء لحق ألوهيته، وربوبيته، ومالكيته، وخالقيته، و.. و..

ومن موارد ذلك: أن لا يتعدى إبليس على النبي آدم ولا يخالف أمر الله له فيه، وفي ذريته..

كما أن على النبي آدم أن يلتزم بأوامر الله المولوية، والإرشادية، على حد سواء..

وهذا الكلام جار بالنسبة للملائكة، ولجميع المخلوقات بدون استثناء، قبل خلق النبي آدم «عليه السلام» وبعده.. وإن كانت للأوامر الإرشادية بالنسبة إلى البشر غير الأنبياء والأوصياء، خصوصية اقتضتها طبيعة الواقع الذي هم فيه، لأن الشرائع، التي يحتاجها الأرضيون وغيرهم، فإنما تقتضيها خصوصيات تكمن في واقع خلقتهم وظروفهم، وقدراتهم وحالاتهم..

 
   
 
 

موقع الميزان