ثم إن السياق في
الآيات التي ذكرت قضية النبي آدم
قد جاء ليؤكد على أن ثمة اتجاهاً بيانياً واضحاً، لإبعاد
هذه القضية عن توهم أن ثمة معصية حقيقية،
ونجد
الكثير
من المفردات التي تسهم في
بيان هذه الحقيقة، وقد ذكرنا العديد منها
في سياق البحث
في هذا الكتاب،
وبقي بعض
من ذلك
نشير إليه بصورة تقريرية سريعة هنا.
فنقول:
1 ـ
إنه تعالى حين حذر آدم «عليه السلام» من إبليس لم يزد على القول له: إنه
عدو له، ولزوجه «عليهما السلام»..
فقال: ﴿إِنَّ
هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾..
وأنه يريد أن يخرجهما من الجنة..
فقال:
﴿فَلا
يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ﴾..
وأن نتيجة ذلك هو الشقاء والتعب الذي ينشأ عن مواجهة
حاجات محيط آخر، غير محيط الجنة بعد الخروج منها. ثم قال:
﴿فَتَشْقَى﴾..
وقال أيضاً عن الشجرة:
﴿لاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾..
2 ـ
وتحدث عن فعل الشيطان، فقال عنه:
﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ
عَنْهَا﴾..
«أي
عن الشجرة».
وقال:
﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾..
ثم تحدث عن هدف الشيطان،
فقال تعالى:
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا
مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا﴾..
وفي آية أخرى يقول:
﴿يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا﴾..
3 ـ
وحين تحدث عن النتائج قال:
﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا
سَوْءَاتُهُمَا﴾.
وقال:
﴿فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا﴾..
وقال:
﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ
الْجَنَّةِ﴾..
وقال:
﴿أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ﴾..
وقال:
﴿يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا
سَوْءَاتِهِمَا﴾.
4 ـ
ثم جاءت الكلمات الأخرى لتتحدّث عن المعصية. والغواية،
﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾،
ولتتحدث أيضا عن:
التوبة من الله عليهما.
فقال تعالى:﴿فَتَابَ
عَلَيْهِمَا﴾..
وعن طلبهما المغفرة،
وإعترافهما بأنهما قد ظلما أنفسهما، قال
تعالى:
﴿قَالاَ رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾..
وقال سبحانه:
﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾..
فكان لا بد من التماس الرابط البياني الذي يجعل هذا
القسم الرابع متناسقاً مع سائر الأقسام التي سبقته..
وليس هذا الرابط أمراً افتراضياً صرفاً، وإنما سنجده
نهجاً حياً،
يفرض نفسه في السياقات البيانية التي يتداولها أهل اللسان في
محاوراتهم.
وحيث لا بد من الدخول في التفاصيل.. مع الالتزام الشديد
بالإيجاز الذي نرجو أن لا يصل إلى حد الإخلال بالمقاصد..
فإننا نقول:
وعلى الله نتوكل، وبأنبيائه وأوليائه الأطيبين
الأطهرين نبتهل ونتوسل: أن يلهمنا صواب القول، ووضوح البيان،
والتوفيق بعد ذلك لنيل رضاه،
والإهتداء بهداه.. جل وعلا.
|