أية
جنة؟!
لقد تحدثت الآيات الشريفة عن أن الله تعالى قد أسكن آدم
وزوجه «عليهما السلام» الجنة.
فعن أية جنة يتحدث؟!
هل هي جنة الخلد؟، أم
هي جنة من جنان الدنيا، لها طبيعة خاصة بها، لا تنسجم مع طبيعة الحياة
على الأرض؟!.
لأن الدنيا واسعة، بحيث تشمل كل ما في هذا الوجود..
وهل هي جنة في السماء؟ أم هي في الأرض؟!
إن هذا البحث، لا نرى أننا نستطيع أن نفيض في الحديث
فيه هنا، فنكتفي بالقول:
إننا قد نجد في الآيات الكريمة، وفي بعض الروايات
الشريفة ما يؤيد الاحتمال الذي يقول: إنها من جنان الدنيا.. فلاحظ ما
يلي:
ألف ـ
قوله تعالى:
﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا﴾..
له درجة من الظهور في أن الجميع كانوا في محل ما، ثم أخرجوا منه.. مما
يعني أن إبليس لعنه الله قد كان مع آدم «عليه السلام» وحواء في داخل
ذلك المكان الذي سماه الله: الجنة.
ب ـ
قوله تعالى: ﴿قَالَ
اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾..
وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ
فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا
تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾..
يدل على أن الجميع قد أنزلوا إلى الأرض، بعد أن لم يكونوا فيها.
ج ـ
أما القول: بأن قوله: ﴿اهْبِطَا
مِنْهَا جَمِيعًا﴾..
فإنما يدل على مجرد تنزل المقام والمرتبة، فهو كقولك لمن تغيرت حاله،
وخسر مواقعه الدنيوية: انظر أين كان، وأين أصبح.
فهو لا ينافي ما ورد في الروايات من أنه «عليه السلام»
كان في جنة من جنات الدنيا، ولا يتناقض مع القول بأنه نزل إلى الأرض،
بل هو يتلاءم مع جميع الأقوال..
د ـ
هناك بعض الروايات تقول: إن آدم «عليه السلام» حين أهبط من الجنة
أهبط
على الصفا، وأهبطت
حواء («عليها السلام») على المروة. وتلك الرواية نفسها تقول أيضاً:
«سئل
الصادق عن جنة آدم «عليه السلام»، أَمِنْ
جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة؟
فقال:
كانت من جنان الدنيا،
تطلع فيها الشمس والقمر، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً»([1]).
ولكن كونها من جنان الدنيا لا يلزم منه أن تكون في
الأرض، فإن السماء الدنيا واسعة، ويمكن أن يكون في بعض كواكبها جنة لها
حياة وحالات،
يمكن القول بأنها
برزخية،
من شأنها الإعداد للحياة على الأرض،
وتطلع فيها الشمس والقمر..
ثم لما أكل
النبي آدم
من الشجرة التي تسانخ طبيعة الحياة الأرضية أهبطه الله
تعالى
إليها.
([1])
تفسير الميزان ج1 ص138.
|