إننا دفعاً لأي لبس نبادر إلى التذكير بأنه قد يقال:
إن الأقرب هو أن
آية: ﴿وَلَقَدْ
عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ
عَزْمًا﴾..
لا ترتبط بموضوع الأكل من الشجرة، وإنما هي ناظرة
ـ كما ورد في بعض الروايات ـ
لنسيان الميثاق، الذي أخذه سبحانه على خلقه قبل نشأة
آدم «عليه السلام» من الطين،
بالإقرار بالنبي محمد، والإمام علي، والسيدة فاطمة، والإمام الحسن،
والإمام الحسين، والأئمة من ذريتهم، وبالمهدي وسيرته، صلوات الله عليهم
أجمعين..
وفيها أن أولي العزم من الأنبياء، قد أقروا بهم، وأجمع
عزمهم أن ذلك كذلك، ولذلك صاروا من أولي العزم، وذكرت بعض الروايات: أن
ذلك قد كان في عالم الذر.
وأما النبي آدم
«عليه السلام»،
فلم يجحد ولم يقر بالنسبة للإمام المهدي
«عليه السلام»،
والحال التي يكون عليها الأمر في زمانه، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة
في المهدي، ولم يكن للنبي آدم عزم على الإقرار به، وهو قوله تعالى:
﴿وَلَمْ نَجِدْ
لَهُ عَزْمًا﴾..([1]).
وقد فسر المجلسي عدم العزم هذا، بأنه عدم التصديق
اللساني، لأنه لم يكن واجباً، أو بعدم تذكره من أجل أنه لم يهتم به
اهتماماً يوجب هذا التذكير ويحتِّمه..
وليس المراد به عدم التصديق لأنه لا يناسب مقام
النبوة..
وفسرت الروايات النسيان بالترك، لأن النسيان الحقيقي لا
يجوز على الأنبياء([2])..
والظاهر أن سبب هذا الترك هو عدم علم النبي آدم «عليه السلام»
بالحقيقة، فكان الترك أمراً طبيعياً، إذ إن من لم يعلم شيئاً فإن تركه
له يصبح أمراً متوقعاً، بل هو المناسب لواقع الحال، ولا يكون فيه عليه
أية غضاضة..
ونحن نرجح هذه الروايات على تلك التي تقول: إن المراد
هو نسيان النهي عن الأكل من الشجرة، وذلك لأمرين:
أحدهما:
وجود الواو الفاصلة بين الآيتين، حيث يظهر أنها واو الإستئناف، فقد قال
تعالى: ﴿وَلَمْ
نَجِدْ لَهُ عَزْمًا * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ
فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا
عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾..
فلو أنه قال: «ولم نجد له عزماً إذ قلنا الخ..» لظهر
اتصال الكلام في الآيتين..
ولكن الفصل بالواو يشير إلى أنه قد بدأ بكلام جديد، ليس
بالضرورة أن يكون له اتصال بما سبقه..
الثاني:
أن هذا النسيان لو كان قد حصل فعلاً، فإن إبليس قد أزاله حين ذكَّر
النبي آدم بنهي الله له، فقال:
﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ
إِلاَّ..﴾..
وعلى كل حال، هذا التذكير بالنهي يجعلنا نرجح أن الظاهر
هو أن المراد بالعهد، هو العهد الذي أخذه الله على النبي آدم في نشأة
عالم الذر ومن
الواضح: أن هناك نشآت متعددة، مثل عالم الذر ونشأة الأرواح. والنشأة
الجنينية، حيث تلتقي الأرواح بالأجساد، ثم النشأة التي تبدأ بالولادة،
فيتدرج
من الطفولة إلى الشيخوخة،
ليصل إلى عالم البرزخ،
ثم عالم البعث والآخرة.
وكل نشأة تمثل عالماً جديداً بالنسبة لهذا الكائن، وقد
ينسى معها الإنسان حاله، وما جرى له في نشأته السابقة، بسبب العوارض
والحجب التي يواجهها.
ولعل هذا الأمر لا يشمل أولي العزم من الأنبياء،
وهذا ما يُظهر فضل نبينا،
وأوصيائه الأكرمين،
والزهراء سيدة نساء العالمين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)،
فإنهم
«عليهم السلام»
لا ينسون شيئاً
مما جرى لهم أو عليهم في
السابق، ولا هم محجوبون عن
النشآت اللاحقة.
ولعل ذلك يفسّر لنا قول علي «عليه السلام»: لو كشف لي
الغطاء ما ازددت يقيناً.
ثم هو
يوضح لنا كيف أن الزهراء («عليها السلام») كانت تحدث
أمها وهي في بطنها قبل أن تولد،
وثمة نصوص كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، لا مجال لتتبعها..
([1])
راجع:
نور الثقلين ج33 ص400 و401 و402 و403 وج2 ص94 و101، والكافي ج2
ص8 وج4 ص186 والمناقب لابن شهرآشوب، وعلل الشرائع، ج2 ص136
و137 ط الأعلمي وج1 ص149 وبصائر الدرجات..
([2])
راجع:
مرآة العقول ج7 ص24.
|