وبعدما تقدم نقول:
إن التحديد للشجرة بهذه الطريقة يجعل آدم «عليه السلام»
أمام احتمالين:
الأول:
أن يكون المنهي عنه هو شخص هذا
المشار إليه
خارجاً، بحيث يكون النهي عن هذه الشجرة إنما هو لخصوصية فيها، لا توجد
في غيرها حتى لو كانت متفقة معها بالجنس والحقيقة، بأن كانتا معاً من
شجر الرمان،
أو الحنطة
مثلاً. ففي
هذه الحال،
لو أكل من غيرها،
ولو كان من جنسها،
فإنه لا يكون مخالفاً للنهي.
الثاني:
أن لا يكون لها أية خصوصية، بل هو يشير إليها بما أنها فرد من جنس بحيث
تكون جميع الأشجار التي من فصيلتها منهياً عنها أيضاً، وإنما أشير
إليها بخصوصها لمزيد من التأكيد والتحديد لها.. فلا يجوز له
ـ
والحال هذه
ـ
الأكل من الشجرة المشار إليها، ولا من غيرها إذا كان من
فصيلتها.
فإذا كان آدم «عليه السلام» أمام هذين الاحتمالين، فإن
عليه أن يسعى لترجيح أحدهما..
وقد ورد في الروايات:
أن إبليس لعنه الله قد حاول أن يقنعه بأن المنهي عنه هو خصوص هذه
الشجرة التي أشير إليها.. أما سائر ما هو من فصيلتها، فلا
يشمله النهي..
فقد روي عن الإمام الرضا «عليه السلام»، أنه قال
للمأمون:
«﴿وَلاَ
تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾..
وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ﴿فَتَكُونَا
مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾
ولم يقل لهما: لا تأكلا من هذه الشجرة، ولا مما كان من جنسها، فلم
يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها، وإنما أكلا من غيرها،
لما أن وسوس الشيطان إليهما، وقال:
«ما
نهاكما ربكما عن هذه الشجرة،
وإنما ينهاكما أن تقربا غيرها،
ولم ينهكما عن الأكل منها، إلا أن تكونا ملكين، أو تكونا من الخالدين»([1]).
فهو «عليه السلام» يقول:
إنه
تعالى لم ينههما عن تلك الشجرة وعن غيرها مما كان من جنسها، وإنما
نهاهما عنها فقط، وهما لم يقرباها هي، بل أكلا من
شجرة غيرها كانت من نفس نوعها.
وهذا معناه:
أن النبي آدم
«عليه السلام» قد افترض أن النهي إنما هو عن شخص تلك
الشجرة، لا عنها وعن كل ما يجانسها.
فإذا كان «عليه السلام» يخاف من الإقدام على الشجرة
التي حددتها الإشارة الحسية له في خطاب النهي، لاحتمال أن يكون لها
خصوصية من نوع ما، فبإمكانه أن يأكل من شجرة أخرى من نفس نوعها، ليحقق
بذلك الغرض السامي الذي يسعى إليه، وليتحاشى تلك الخصوصية التي أوجبت
المنع من تلك التي أشير إليها إشارة حسية.
([1])
البرهان في تفسير القرآن ج3 ص46 وج1 ص83 و81، والبحار ج1 ص164
عيون أخبار الرضا.ج1ص196.
|