صفحة :   

لماذا لا يحتاط النبي آدم :

ويبقى سؤال، وهو: أنه إذا كان النبي آدم أمام احتمالين:

أحدهما: أن يكون المنهي عنه هو شخص الشجرة..

الثاني: أن يكون المنهي عنه هو سنخها.

فقد كان عليه أن يحتاط، ويتحفظ، لا أن يبادر إلى مخالفة النهي الإلهي..

ونقول في الجواب:

إن الاحتياط ها هنا خلاف الاحتياط، لأن النهي عن الشجرة إنما جاء بواسطة الإشارة الحسية إلى شجرة بعينها، مع وجود مثيلات لها، بالإضافة إلى القَسَم الذي واجه النبي آدم، ونقل عهدة أي خطأ ليصبح في ساحة القدس الإلهية، ليكون تعالى هو المتولي، وهو الضامن، والكافل..

هذا بالإضافة إلى ما رآه من ارتباط لتلك الشجرة بموجودات شريفة، وعالية، يذكو لديه الطموح للوصول إلى منازلها، كما أشارت إليه الروايات..

فالنبي آدم قد عمل بما يفرضه عليه إيمانه، وجلال وعظمة الله في قلبه وإجلاله لأسماء الله الحسنى الواردة في القسم، وما يفرضه عليه الأخذ بالحجج والوسائل البيانية المتوفرة لديه..وهذا ما يدعو إلى أن ينيله الله المزيد من الرحمة، والمحبة، وأن يصطفيه ويجتبيه إليه..

وليس في كلام إبليس ما يتناقض مع مفاد ذلك النهي بحسب الظاهر، الذي لا بد للنبي آدم من التعامل على أساسه، بل إن إبليس قد أكد له مفاده، وذكَّره به، وإنما خاطب النبي آدم «عليه السلام» بما هو خارج دائرة النهي، وهو خصوصية في هذا النوع من الشجرة، وهي أن أكله منها سوف يوصله إلى أنوار آل محمد التي شاهدها حول العرش، وعرَّفه أن الوصول إلى ذلك، دونه مشقات ومتاعب لم يرد الله أن يكلفه بها على سبيل الحتم والجزم..

وقد جاءت المقاسمة لتمثل التجاء الطرفين إلى الله، لجعل الأمر في ضمانته وكفالته سبحانه وتعالى، ليتولى هو قصاص من يكذب، أو يغش.

وكان لا بد للنبي آدم أن يسعى لنيل تلك المقامات لشدة تعلقه بالله ومحبته له، ولم يكن النبي آدم «عليه السلام» مكلفاً بالواقع، بل بما تؤدي إليه الوسائل والدلالات الظاهرية.. كما أنه لم يكن يعلم أنه غير قادر على الوصول إلى تلك المواقع العالية لهم «عليهم السلام»..

ولكن الله قد خاطب النبي آدم بحسب علمه تعالى بواقع الأمور، فعبَّر بالغواية التي هي ضد الرشد، وعبَّر بالمعصية التي هي مجرد عدم مطابقة الفعل لصورة الأمر..

 

   
 
 

موقع الميزان