صفحة :   

ينزع عنهما لباسهما:

وقد كانت تلك الأحوال الصعبة التي عبر الله عنها بالسوءات على درجة من الخفاء والكمون، إلى حد أن آدم وزوجه «عليهما السلام» لم يكونا يريانها، لأنها كانت مواراةً أي مستورة عنهما بساتر وحجاب.

وتمثلت مشكلة آدم وزوجه «عليهما السلام» في أوجها وعنفوانها في أن إبليس قد استطاع أن ينزع عنهما لباسهما، ليريهما سوءاتهما.. وكان زوال هذا الستر قد حصل بفعل أنهما قد ذاقا الشجرة. مما يعني أن التفاعل الجسدي الناشئ عن هذا الأكل.. هو الذي أسقط ذلك الساتر عن السوءات..

وقد حاولا أن يستفيدا من سواتر الجنة، فلم تنفعهما بشيء ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ.. ولم يكن يمكنهم الاكتفاء بها، فإن الأمر يحتاج إلى سواتر من سنخ آخر، فكان لا بد لهما ـ من الناحية التكوينية ـ من الخروج إلى عالم جديد، يجدان فيه ما يسد الخلل، ويواري السوءات.

نعم لقد كان على آدم «عليه السلام» أن يعيد سائر الأحوال التي ظهرت عليه إلى ما كانت عليه من الكمون والخفاء ـ وقد أشارت بعض الروايات إلى ذلك، وإلى أن لباس الجنة لم يعد صالحاً لهما، وإلى أنهما قد اضطرا إلى حرث الدنيا ومطعمها، حيث قالت:

«..وسقط عنهما ما البسهما الله من الجنة، وأقبلا يستتران من ورق الجنة»([1]).

وفي نص آخر:

«بدت لنا عوراتنا، واضطررنا إلى حرث الدنيا ومطعمها»([2])..

فالجوع يحتاج إلى ستره بالشبع، والعري باللباس، والمرض بالدواء، والخوف بما يوفر الأمن، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأحوال التي لا بد من إعادتها إلى حالة الكمون والخفاء..


 

([1]) تفسير الميزان ج1 ص139 عن تفسير القمي..

([2]) تفسير البرهان ج1 ص84 والبحار ج11 ص183 عن تفسير العياشي.

 
   
 
 

موقع الميزان