صفحة :   

الحسد لأهل البيت :

وقد اتضح مما قدمناه أيضاً:

أن آدم عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام قد كان منسجماً مع نفسه، ومع أهدافه السامية ـ وهذا هو ما يفترض فيه ـ حين سعى إلى نيل مقامات القرب من الله تعالى، وآثر تحمل أعباء هذا السعي.

وهو قد سعى إلى نيل مقام معنوي أوحدي منحصر بأهله، لا يمكن لأحد أن يصل إليه حتى الأنبياء..

وواضح: أن السعي إلى نيل مقامهم ملازم لإزالة صفة الإختصاص بهم عنهم، لتحل محلها صفة المشاركة، بل إن ذلك ملازم لأن تحل محلها صفة أدنى منها. لأن الرئيس مثلاً إذا أزيل عن مقام الرئاسة ليحل محله رئيس آخر، فإن ذلك معناه زوال صفة الرئاسة عنه، وإن كان لا يزال في مستوى عظيم من الإحترام..

وهذا يشبه في بعض وجوهه تمني زوال الصفة أو النعمة عن المحسود، وانتقالها إلى الحاسد على وجه الاختصاص به..

وهذا ما أشارت إليه الروايات المتقدمة، من أنه «عليه السلام» قد تمنى مقام أهل البيت لنفسه، فإنه وإن لم يكن قاصداً لسلب نعمة ذلك المقام عنهم، ولا طالباً له، ولكن يلزمه سلب اختصاص ذلك المقام بهم. فهو قد قصد ما يلزم منه ـ لو حصل عليه ـ زوال إحدى الصفات عنهم صلوات الله عليهم، وهي صفة الاختصاص والتفرد لهم.. وإن لم يكن ملتفتاً إلى ذلك، وذلك رغبة منه في الحصول على كل ما يقدر على الوصول إليه من مقامات القرب والرضا.

وهذا نظير ما لو كان هناك موقع جميل على رأس جبل، يحاول إنسان أن يصل إليه ويكون فيه، مع عدم التفاته إلى أن حلوله فيه يستلزم إزالة غيره عنه. فهو لم يتمن زوال النعمة عن شخص، ليكون ذلك حسداً محرماً، بل تمنى الوصول إلى المقام الأوحدي العظيم، من دون التفات إلى أن أحداً قد بلغ إلى هذا المقام، واحتل تلك المنزلة..

وهذا ما يفسر لنا التعبير بالحرص الوارد في الرواية المتقدمة المروية عن الإمام زين العابدين «عليه السلام»، وقد صرحت بأن الحرص من آدم «عليه السلام» كان هو السبب فيما جرى لآدم وزوجته صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا وآله..

وخلاصة القول:

إن النبي آدم «عليه السلام» قد رأى موجودات عالية بلغت مقامات عظيمة من القرب، والكرامة الإلهية، فتمنى أن يكون معهم، وبدأ يسعى في هذا السبيل، ولكنه لم يكن يملك ما يمكنه من تحقيق أهدافه..

وقد كان تمنيه وسعيه هذا، يشبه الحسد، من حيث إن هذا المقام منحصر بتلك الموجودات، فتمني الكون معهم معناه أن لا يكون ذلك الموقع منحصراً بهم، لأن الحسد القبيح هو تمني زوال النعمة عن الشخص حتى لو لم تصل تلك النعمة إلى المتمني..

ولكن هناك مرتبة من الحسد ليست قبيحة، وهي ما لو تمنى أمراً لنفسه، ولم يتمنَّ زواله عن أحد، لكن قد يلزم من تمنيه هذا زوال صفة التفرد والإنحصار بالغير، وهذا كما لو كان إنسان في قرية، يحمل شهادة الدكتوراه، فهذا امتياز له وليس لأحد سواه، فإذا تمنى أحد أن يصبح مثله، فإن ذلك يزيل صفة التفرد عنه، وهي صفة لها قيمتها بنظر الناس، وإن لم يلتفت هو إلى ذلك، فأصبح هذا التمني بمثابة الحسد من جهة، وهو غبطة من جهة أخرى..

والنبي آدم «عليه السلام» كان يريد مقامات الزلفى عند الله، ولذلك طلب صفة الملائكية، والتخلص من الشهوات والغرائز، وطلب الخلود في طاعة الله، وطلب الملك الذي ييسر له مختلف أنواع القربات، لقد طلب الصفاء، والخلوص, بأقصى الدرجات، وأفضل الحالات، وآثر أن يتحمل أعظم المصائب، من أجل التخلص من الدنيا، ومن أجل الوصول إلى أشرف الغايات وأسماها، وأعزها وأغلاها..

 
   
 
 

موقع الميزان