الأخ المحترم هادي
العاملي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
سأجيب على نقاطك باختصار ومثلما تنطلق من قناعات فأنا
انطلق من قناعات كذلك، وما تسمح به لنفسك فاسمح به للآخرين، لا بد أن
نحكم بالإسلام لمن أخطأ في حق فاطمة الزهراء أو أخطأ في حق أبي بكر فلا
يوجد سني أو شيعي ـ إذا كان مؤمناً ـ عاقلا وهو يريد مخالفة النصوص
الشرعية.
لكن أخي هذه اختلافات يبني كل طرف على أدلة ويضخمها
ويقلل أدلة الطرف الآخر.
إذا لم نرتفع فوق
المذهبيات ـ ما أمكن ـ فلن نستطيع أن نلتقي على الحد الأدنى الذي تتم
به الوحدة
الفكرية العامة بين المسلمين وسنبقى في التمزق والفشل..
1 ـ
نعم أنا أركز على الطائفية والمذهبية وأرى لي الحق في
ذلك فمعظم السنة والشيعة متمذهبون هذا رأيي على الأقل ولا أدعي فيه
الصواب، وأنا أقلب السؤال عليك وأقول:
من أين عرفت أن إغضاب أبي بكر لفاطمة كان (بغضا
ومعاداة)! أنت تحتمل أن إغضاب أبي بكر لفاطمة من باب البغض والمعاداة
وأنا أفترض أنه من باب التأويل، ومن القرائن التي تدل على ذلك صلاح أبي
بكر وفضله وهجرته وبذله ونصرته للنبي «صلى الله عليه وآله» فتاريخ أبي
بكر تاريخ طويل قطعي في نصرة النبي «صلى الله عليه وآله» فكيف تترك هذا
القطعي لمخالفة يحتمل فيها التأويل، وكان أبو بكر يحلف أن قرابة النبي
«صلى الله عليه وآله» أحب إليه من قرابته وهذا ثابت عنه، فهذه القرائن
تدل على أن أبا بكر تأول بغض النظر عن الصواب والخطأ هنا.
2 ـ
ما أذكره من التأويل ليس تخرصاً ولا رجماً بالغيب وإنما عملا بالقرائن
القوية وجمعا بين النصوص والآثار.
3 ـ
تأخذ علي مخالفة الظاهر ولا تأخذ على
الشيعة مخالفة ظاهر قوله تعالى:
﴿وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ﴾
فإما أن
تنكر على
الجميع مخالفة الظاهر أو تتركه للجميع، والذي أعلمه ـ وقد أكون مخطئا ـ
أن
الشيعة الإمامية من أكثر الفرق قولا بالتأويل ومخالفة
للظاهر.
4 ـ
لا يجب
قتل
الممتنع عن
البيعة ما لم يشق العصا بالسيف (الثورة) وقد ترك علي بعض من لم يبايعه
ـ على
رأي كثير من السنة والشيعة ـ وترك أبو بكر وعمر سعد بن عبادة فإجبار كل
شخص على
البيعة غير شرعي، وهذا من كمال الحرية المتاحة في الشرع..
5 ـ
سواء اعتقدت فاطمة إمامة أبي بكر أو بطلانها لا يكفر أبو بكر ولا فاطمة
والتمسك بالظاهر سبق الجواب عنه..
6 ـ
ما ثبت عند السنة هو اختلاف فاطمة وأبي بكر في مسألة الإرث وأموال
بخيبر، وفدك، ولم يرد بسند صحيح فيما أعلم أن السبب في الخلاف هو (بيعة
أبي بكر).
الشيعة قد يرون أن هذا هو السبب، ويروون في ذلك أسانيد
ويبنون عليها ما يبنون، فهذا شأنهم.
لكن هذا لم يصح عندنا السنة، وإذا صح عند قوم دون قوم
فلا يكون حجة للطرف الأول على
الثاني، ولا بد من معرفة أسباب الخلاف وكيف نحتويه، بدلا من تبادل
التكفير المبني
على الظنون..
7 ـ
سبق أن ذكرت أن بعضهم أغضب النبي «صلى الله عليه وآله» ولم يكفّره
النبي «صلى الله عليه وآله». والشيعة يثبتون أن الصحابة في مواضع كثيرة
كانوا يغضبون النبي «صلى الله عليه وآله»، ومع ذلك لم يثبت
أنه كفّر أحداً بعينه، لأنه يراعي جانب الجهل وحسن
النية في ذلك الصحابي، أو جانب الضعف البشري من عصبية لقومه أو نحو
هذا.
اقرأ السيرة ستجد كثيراً من القصص التي
فيها إغضاب النبي «صلى الله عليه وآله» ولم يأمر النبي
«صلى الله عليه وآله» ذلك المغضب له بتفريق زوجته ولا بقتله ولا بمنع
أبنائه من ميراثه ولا نحو هذا مما هو معروف في حكم المرتد، وكانت زوجات
النبي «صلى الله عليه وآله» يغضبنه أحياناً حتى يهجرهن شهراً كاملاً
لكن لم يكفّرهن بذلك فتنبه لهذا!!.
8 ـ
كون الزهراء ترى أن أبا بكر لا يعرف معاني القرآن وأنه خالف
آياته
ـ لو صح ـ لا يكفي دليلا على ثبوت هذا، فالجهل ببعض معاني القرآن لا
يتبرأ منه أبو بكر ولا غيره والمخالفة باجتهاد وحسن نية لا تضر إنما
تضر المخالفة بعناد وهوى
وهو ما نبرئ منه أبا بكر رضي الله عنه..
9 ـ
علي لم يكفّر الخوارج وعاملهم معاملة
المسلمين وأبقى عليهم فيأهم وأنت الآن تراهم كفاراً مستدلاً بالحديث
وترى علياً معصوماً
فكيف تجتمع هذه الأمور؟ كيف تجمع القول بعصمة علي
وتكفير الخوارج وهو لم يكفّرهم؟
10 ـ
دعوى التأويل لا يتم إطلاقها في أهل الدنيا كقتلة عمار ويزيد بن معاوية
ومعاوية نفسه وقاتل عمار وقتلة الحسين ونحوهم ممن ذكرت ولا تناول غير
المسلم كقاتل
عمر..
11 ـ
من قال: إن الزهراء ماتت ميتة جاهلية ـ ولا أعلم من يقول ذلك ـ فإن من
يدّعي
الإسلام ويتمسك بما تذكره من ظواهر الأحاديث فلا ريب أنه مخطئ خطأ
عظيماً،
وكذا من يقول
بكفر الصحابة من المهاجرين والأنصار يكون مخطئا خطأ عظيما، لكن
الفريقين ما دام أنهما يدّعيان الإسلام ويؤمنون بالله ورسوله ويقيمون
الصلاة
ويجتنبون المحرمات.. فإنه يبقى لهما حكم الإسلام..
فالذي يكفّر فاطمة لن تكون
عنده
من أهل البيت وإنما يكون عنده معنى آخر لأهل البيت بأنهم أمهات
المؤمنين وسائر
بني هاشم وعلى هذا يمكن أن يبني على (لكل قاعدة شواذ)
فيخرج فاطمة «عليها السلام»..
وهذا خطأ بلا ريب عندي لكن صاحبه لا نحكم عليه بالكفر،
وكذلك من يكفّر الصحابة
له
تأويلات للآيات المثنية عليهم لأنه يرى أن هذه الآيات مرتبطة
بالاستمرار على
الاستقامة،
والصحابة ـ على رأيه ـ ارتدوا فبطل الثناء عليهم ومن يقول هذا القول
فحكمه
كمن يقول بالقول السابق مرتكبا لأمر عظيم ويبقى الحكم
له بالإسلام..
لا يجوز أن
نتهم
أحد الطرفين بتكذيب القرآن الكريم، ولو سألته هل يكذب بهذه الآية أو
تلك لأنكر
ذلك وأبدى
اعتذارات وتأويلات وتلك التأويلات وإن لم تكن صحيحة لكنها تمنع من
إطلاق
الكفر عليه فتنبه لهذا..
وللأسف أن الشيعة والسنة كل فريق يدعي في الآخر تكذيب
نص
القرآن، وهذا تظالم من الفريقين فليس هناك من يدعي الإسلام ويكذب
القرآن لكنها
الخصومات المذهبية فحسب..
ولو رجع أحدنا لأحاديث الترغيب لحكم على الأمة كلها
بدخول
الجنة ولو رجعنا لأحاديث الترهيب وأخذنا بظواهرها لحكمنا على أكثر
الأمة
بالنار، وهذا
تعامل (ظاهري) منتقى مع النصوص الشرعية وفهمها بعيداً عن الأدلة
المعارضة، فنحن نجد مثلاً «لا يدخل الجنة نمام».
ونجد أحاديث أخرى مثل «من بنى لله مسجداً بني له بيتاً
في الجنة».
فلو وجد شخص نمام لكنه بنى مساجد فهل نحكم له بالجنة أم
بالنار؟.
هنا لا بد من تضعيف أحد الحديثين أو تضعيفهما معاً أو
تأويل
ذلك
بعدم وجود معارض، يصبح المعنى أن (النميمة) من أسباب دخول النار وبناء
المساجد
من أسباب دخول الجنة.
أما التمسك بالظواهر فيوقع في التناقض والمصادمة بين
النصوص.
12 ـ
أما قسوتكم فمقبولة ولكن البسط في بحوث هذه المسائل سيأخذ مساحة
كبيرة
ووقتا طويلا ونحن لا ندعي إحاطة العلم بها وإنما نجيب بما حضر في
الذاكرة
ولكنني أوصيك
وأوصي نفسي بمحاولة معرفة وجهة النظر الأخرى وأدلتها، كما تريد من
الآخرين معرفة وجهة نظرك وأدلتها..
حسن بن فرحان المالكي
|