الأخ هارون الرشيد..
1ـ
حديث
الموالاة (الغدير) سبق لي الكلام على ما
أعرفه
من اختلاف السنة والشيعة في دلالته، وسبق إن قلت أن استعراض أقوال
المختلفين
لا تكفي لا بد من بحث يقنع به الباحث نفسه (آمل قراءة
إجابات سابقة تتعلق بالسؤال).
2ـ
حديث
العترة صحيح «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وأصله في صحيح مسلم بلفظ
مقارب،
وقد رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي والحاكم والطبراني والبزار
وغيرهم ولا يكاد يخلو منه مصدر سني إلا صحيح البخاري
وليس عند أبي داود أيضاً.
لكن يبقى الخلاف في الدلالة، والخلاف ليس بين السنة
والشيعة فقط بل بين الشيعة
أنفسهم
(الإمامية والزيدية) فهم مختلفون في دلالة حديث العترة (الذي هو جزء من
حديث الغدير؛ لأن النبي «صلى الله عليه وآله» يوم غدير خم خطبهم
فأوصاهم بالثقلين (الكتاب والعترة) ثم رفع
يد علي
وذكر حديث الموالاة المعروف، فالفصل بين حديث الغدير وحديث الثقلين
وحديث
الموالاة غير سليم لأنها كلها كانت في مناسبة واحدة وهي
يوم الغدير (وهذا في صحيح مسلم إلا الموالاة لم يروه مسلم).
لكن حديث العترة هل يدل على وجوب التمسك بأهل
البيت وتقليدهم أم الوصية بهم؟
بعض الألفاظ «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن
تضلوا أبداً كتاب الله» ثلاثاً ثم قال: «وأهل بيتي
أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل
بيتي..» فأهل السنة يرون أن الوصية بأهل البيت منفصلة عن الوصية
بالكتاب، فالكتاب يجب التمسك به، وأهل البيت يجب حفظ حقوقهم ومحبتهم
وموالاتهم.
وبعض الألفاظ «إني تركت فيكم ثقلين لن تضلوا ما تمسكتم
بهما
أبداً
كتاب الله وعترتي أهل بيتي» فهذا اللفظ صريح في وجوب التمسك بأهل البيت
وأنهم
الثقل الثاني المفسر للكتاب.
لكن أيهما أصح اللفظ الأول الذي لا يحمل هذا
التصريح أم اللفظ الثاني؟ محل بحث، فالحديث مروي بالمعنى في أحد
اللفظين، ولو قلنا
باللفظ الثاني
الذي عليه الإمامية والزيدية فما معنى التمسك بالعترة؟ هل يعني أن
إجماعهم حجة أم أن قول الواحد منهم حجة؟ على القول الأول بعض أهل السنة
المتشيعة كالمقبلي.
والثاني عليه الإمامية في الاثني عشر وعليه الزيدية في
الأربعة (علي وفاطمة والحسنان).
أما أهل السنة الذين هم على القول الأول في أن
الوصية
بالعترة يعني المحبة وحفظ الحقوق والتجاوز عن مسيئهم والإحسان إلى
محسنهم
فأهل البيت
عندهم أوسع من الأربعة إذ يشملون عندهم أمهات المؤمنين وسائر بني هاشم
الذين حرمت عليهم الصدقة مع اعترافهم أن الأربعة أخص
أهل البيت.
وعلى هذا
التفسير ـ إن كان صحيحاً ـ لا يصبح هناك معنى للتمسك
بالعترة لاختلافهم.
بعض
الزيدية يقول بالتمسك (مع الكتاب) بالصالحين من أهل البيت إلى يوم
القيامة بدلالة
لفظة الحديث «فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».
لكن هنا نقع في إشكال آخر
وهو
(مقياس الصلاح) فمقياس الصلاح عند الزيدية غيره عند الإمامية غيره عند
أهل
السنة إذ نجد أن كل مذهب قد فصّل الصلاح حسب مقاسات
المقولات المتأخرة التي امتازت بها كل فرقة.
فمن شروط الصلاح عند الزيدية القول بأصول المعتزلة ومن
شروط
الصلاح
عند الإمامية القول بالعصمة والنص والإمامة، الخ.. ومن شروط الصلاح عند
أهل
السنة الثناء
على كل الصحابة حتى على البغاة والإثبات الذي يوحي بالتشبيه وذم الفرق
المخالفة، الخ..
فإذا وجد الفرد الصالح من أهل البيت نظرت الفرق في
آرائه وأفعاله فإن وجدته على قواعدها المتأخرة أطالت الثناء عليه
والاحتجاج به، وإن وجدت
فيه مخالفة لتلك القواعد قللت من شأنه أو ضعفت ما نسب
إليه..
وإذا كان الشخص
قوياً
صعب أن توجه إليه التهمة كعلي والحسن والحسين وزين العابدين ادعته
الفرق
كلها، كل فرقة
تزعم أنه على قواعدها، فأهل السنة يروون عن علي تفضيله الشيخين على
نفسه والإمامية تروي عنه ذم الشيخين والزيدية تروي عنه تفضيل نفسه دون
اتهام
للشيخين ـ هذا على وجه الجملة ـ بل حتى الإباضية يرون
أنه رجع عن قتال الخوارج وندم.
فيقف الشخص محتارا بين هذه التناقضات الطائفية فلا يعرف
الموقف الصحيح لذلك
الرجل
من أهل البيت إلا بتقليد فرقة ومناهج الثبوت عندها، ومن هنا يجب على
المسلم
أن يبحث بهدوء وبعمق ليعرف الحقيقة.
يبدو أننا أطلنا في هذا الجواب وهذا على
غير
مرادنا لكن أريد أن أوصل مقدار الاستشكالات التي قد لا يعرفها بعض
السنة
والشيعة، فيظن
الشيعة أن السنة يكابرون مع وجود حديث الغدير والمنزلة ويظن السنة أن
الشيعة يكابرون مع تفضيل علي للشيخين على نفسه ثم إن اتفقوا على صحة
حديث كحديث
الغدير تبقى الاستشكالات في الدلالة داخل السنة وداخل
الشيعة أيضاً.
وغالباً يحاول السلفية احتكار السنة وكأنه ليس في السنة
من فضل علياً من الصحابة والتابعين
كما
يحاول الإمامية احتكار التشيع وكأن الزيدية الذين يقرون بفضل الصحابة
ليسوا
شيعة.
ثم تفرق الإمامية بين أصولية وإخبارية كل يريد احتكار
الإمامية، وتفرق
السنة إلى سلفية وأشاعرة كل يريد احتكار السنة.
ثم تفرق السلفية مثلاً إلى سلفيات كل منها تريد احتكار
اسم السلفية وهكذا.. فالاشكالات تتواصل وكل متمسك بطرق
من دليل يدندن حوله ويدور معه.
النية في الوصول إلى الحقيقة.
|