عود على بدء

   

صفحة :   

عود على بدء :

لقد اتضح مما تقدم: أن توجيه الخطاب لـ«أهل البيت» الذين هم أهل الكساء، ليس فيه مخالفة للسياق القرآني، بل هو موافق له، ومنسجم معه. دون أدنى لبسٍ، أو شبهة.

ونزيد في توضيح هذا الأمر بالإشارة إلى بعض الخصوصيات، فنقول:

ألف: إن السياق إنما يكون دليلاً وحجة في صورة ما لو علم أن المتكلم بصدد بيان موضوع واحد، من مبدأ كلامه إلى نهايته؛ ليكون بعض كلامه قرينة على البعض الآخر. فإذا ورد ما يخالف ذلك، فإنه يكون مخالفاً للظهور السياقي، ويكون فيه ـ أحياناً ـ إخلال بالناحية البلاغية، والبيانية.

ب: وربما لا يكون المتكلم بصدد بيان أمر واحدٍ، وإنما هو يذكر أموراً متعددة ومختلفة. ومتخالفة في موضوعاتها وأحكامها، وإن كانت تدخل في نطاق غرض عام وجامع ـ يكون هو الجامع بين متفرقاتها، والمؤلف لمختلفاتها كالدين أو الشريعة مثلاً ـ ففي هذه الحالة لا يكون التعرض للموضوعات المختلفة، لا يكون خلافاً للظهور السياقي، ولا يخل بالناحية البيانية والبلاغية، إلا إذا تعرض لبيان أمر لا يدخل في ذلك الغرض الأقصى، والعام، والجامع، كما هو واضح.

ج: إن وحدة السياق لا تلازم وحدة الموضوع والحكم؛ فإن الأسلوب البياني قد يفرض التعرض لبيان بعض الحيثيات، التي لها مساس بما هو محط النظر، وإن اختلفت عنه في طبيعتها وماهيتها.

وقد روي عن أبي جعفر «عليه السلام» أنه قال: ليس شيء أبعد من عقول الرجال من القرآن؛ إن الآية لتكون أولها في شيء، وآخرها في شيء، وهو كلام متصل يتصرف على وجوه([1]).

وعن أبي عبد الله «عليه السلام»: يا جابر، إن للقرآن بطناً، وللبطن ظهراً، وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه: إن الآية لينزل أولها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء، وهو كلام متصرف على وجوه([2]).

ومن اللافت: أن المثال الذي قدمه الأئمة «عليهم السلام» في هذا الصدد هو نفس آية التطهير، التي هي موضع البحث، فقد روي عن أبي جعفر «عليه السلام» أنه قال: ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية ينزل أولها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء، ثم قال:

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. من ميلاد الجاهلية([3]).

ولكن ذلك لا يعني: أن لا تكون هناك جامعة كلية وعامة تكون تلك الموضوعات المختلفة كلها داخلة فيها..

وبعد ما تقدم نقول:

قد ذكرنا في الفصول المتقدمة ما يوضح: أن آية التطهير هي من القسم المذكور في فقرة: «ألف» إذ أن الآيات قد جاءت لتخاطب النبي «صلى الله عليه وآله»، وتطلب منه أن يبلغ زوجاته بعض الأوامر والزواجر، بهدف الحفاظ على البيت النبوي الشريف.

ويمكن تطبيق القسم الثاني المذكور في الفقرة «ب» على آية التطهير أيضاً؛ إذا لاحظنا: أن الجامع العام وهو الحفاظ على «أهل البيت» «عليهم السلام»، استدعى إصدار أوامر ونواهي مختلفة للزوجات، مع أن الكلام متصل، وله سياق واحد.


 

([1]) هذا المضمون موجود في البحار ج89 ص95 وراجع الوسائل ج18 ص142 و150 وتفسير العياشي ج1 ص12 والمحاسن للبرقي ص300.

([2]) راجع: وسائل الشيعة ج18 ص150 وتفسير العياشي ج1 ص11.

([3]) تفسير العياشي ج1 ص17 والبحار ج89 ص110.

 
   
 
 

موقع الميزان