فيلاحظ هنا تذكير الضمير في
آية التطهير، في: «عنكم» و «يطهركم»، مع أن الضمائر الواردة في
السابق واللاحق هي ضمائر الإناث: «وقرن في بيوتكن» و «لا تبرجن» و
«أقمن الصلاة» و «آتين» و «أطعن»، وغير ذلك([1]).
بل لقد اعتبر البعض هذا دليلاً على عدم إرادة
النساء في الآية.
واعتبره البعض الآخر:
أنه يدل على عدم اختصاص آية التطهير بهن، على خلاف ما ادعاه عكرمة
ونسب إلى غيره من اختصاص الآية بالنساء([2]).
وقد دافع القائلون بشمول الآية للنساء، واختصاص
الخطاب فيها بهن، بوجوه:
قالوا: إن الضمير المذكور قد
ورد في الآية على سبيل التغليب، للمذكر على المؤنث([3]).
ونقول:
إن هذا غير تام.
أولاً:
لأن التغليب إنما يصار إليه، حيث يحرز عدم الخصوصية
لأي من الطرفين أو الأطراف في نظر المتكلم، وحيث يعلم بأنه يريد
شمول الحكم للجميع، مع عدم وجود قرينة على الخلاف.
وفي مورد البحث:
ليس فقط لا نحرز أنه يريد شمول الحكم، بل هناك
العديد من القرائن والشواهد على التمييز فيما بين الأطراف.
ويكفي في ذلك ما ذكرناه من روايات صحيحة وصريحة في
انحصار المراد من «أهل
البيت»
في أصحاب الكساء، مع تصريح طائفة كبيرة منها بخروج الزوجات عنهم([4]).
ثانياً: قال العلامة المجلسي:
«إن مخاطبة الزوجات مشوبة بالمعاتبة والتأنيب،
والتهديد، ومخاطبة «أهل
البيت»
محلاّة بأنواع التلطف، والمبالغة في الإكرام. ولا يخفى بعد إمعان
النظر المباينة التامة في السياق بينها وبين ما قبلها، وما بعدها»([5]).
ثالثاً:
قد تقدم
ما يفيد وجود إشكال في أصل صدق عنوان: «أهل
البيت»
على الزوجات، حتى مع افتراض أن يكون المراد بالبيت هو بيت السكنى،
مع أنه افتراض باطل كما اتضح في الفصول السابقة.
رابعاً:
لو
فرضنا أن المراد هو بيت السكنى، فإننا نقول ـ كما يتضح من ملاحظة
بعض روايات حديث الكساء ـ إن المراد به خصوص البيت الذي جمع رسول
الله «صلى الله عليه وآله» فيه أهل الكساء، حيث نزلت الآية الشريفة
فيهم. وتكون الألف واللام هنا في كلمة: «البيت»
للعهد الخارجي. وإلا
فإن بيت الزهراء وعلي، كان غير بيت النبي «صلى الله
عليه وآله»، الذي تسكنه أم سلمة أو غيرها.. ويعزز هذا التوجه
التنويع في التعبير حيث قال تعالى مخاطباً للنساء: «بيوتكن». ولكنه
عبر هنا فقط بقوله: «أهل
البيت».
خامساً وأخيراً:
قد
تقدم: أن السياق يؤيد ويؤكد كون المراد بـ «أهل
البيت»
خصوص أهل الكساء. ولا حاجة إلى دعوى التغليب، ولا إلى غيرها.
إن محط النظر في الرد والقبول إنما هو التغليب
بالنسبة إلى زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» وانضمامهن إلى أهل
الكساء وعدمه. أما تغليب الذكور على الإناث بالنسبة إلى أهل الكساء
أنفسهم، لكون فاطمة «عليها السلام» فيهم، فلا إشكال في كونه
حاصلاً، ومراداً له تعالى، حسبما صرحت به الروايات المتواترة.
([1])
راجع: التسهيل لعلوم التنزيل ج3 ص137 والكلمة الغراء
(مطبوع مع الفصول المهمة) ص213 و 214 والتبيان ج8 ص38
والمواهب اللدنية ج2 ص123 عن زيد بن علي وكذا في البحار
ج35 ص207 والبرهان (تفسير) ج3 ص319 ونفحات اللاهوت ص85
وهامش نهج الحق ص174 وتفسير القمي ج2 ص193 و 194 وفتح
القدير ج4 ص279 ومشكل الآثار ج1 ص338 و339 والمعتصر من
المختصر ج2 ص267 والصراط المستقيم ج1 ص185 ونوادر الأصول
ص266 وإحقاق الحق للتستري ج2 ص566 والميزان (تفسير) ج16
ص310 وأضواء على متشابهات القرآن ج2 ص117 والأصول العامة
للفقه المقارن ص158.
وجوامع الجامع ص372 تعليقات السيد محمد علي القاضي (في
الهامش) ونظرية الإمامة ص182 عن المناظرات للكاظمي ص9
وراجع أيضاً: الجامع لأحكام القرآن ج14 ص182 و 183
والصواعق المحرقة ص141 وينابيع المودة ص294.
([2])
الفصل الأول، فقرة: الآراء والاجتهادات.
([3])
راجع: المواهب اللدنية ج2 ص123 وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص208
والسنن الكبرى ج2 ص150 وراجع: التبيان ج8 ص308 / 309
والتفسير الكبير ج25 ص209 وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع
البيان) ج22 ص10 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص183 وكلام ابن
روزبهان ضمن كتاب دلائل الصدق ج2 ص64 وضمن إحقاق الحق ج2
ص564.
([4])
التبيان ج8 ص308 و 309.