إن أهم ما استدل به القائلون بإرادة النساء، إما وحدهن
أو مع غيرهن هو: «السياق»:
فإن ما قبلها وما بعدها خطاب لهن، فالتطهير لابد أن يكون لهن دون
غيرهن، فقد قال تعالى:
﴿يَا
نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ..﴾
إلى أن
قال: ﴿إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ..﴾.
ثم قال:
﴿وَاذْكُرْنَ
مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ..﴾
([1]).
ونقول:
1 ـ
قد عرفنا أن السياق لا يأبى عن حصر آية التطهير في أصحاب الكساء «عليهم
السلام»، بل إن ذلك هو الظاهر والمتعين، مادام أن إرادة الزوجات من
الآية، أو حتى شمولها لهن، يصطدم بمحاذير متعددة، بل هو يوجب خللاً في
السياق، بسبب عدم التناسب بين لحن الخطاب الموجه إليهن قبل وبعد آية
التطهير، وبين لحن الخطاب في آية التطهير نفسها.
هذا بالإضافة إلى محاذير أخرى تقدمت، لا نرى حاجة إلى
إعادتها.
2 ـ
قد عرفنا وجود شك كبير في صحة إطلاق عبارة «أهل
البيت»
على الزوجات، فقد صرح بعدم صحة ذلك زيد بن أرقم أيضاً كما أوضحناه.
3 ـ
إن سؤال أم سلمة للنبي «صلى الله عليه وآله» إن كانت من «أهل
البيت»،
أو طلبها أن تُجْعَل منهم، يؤيد عدم صدق هذه العبارة على الزوجات،
وإلا، لم يكن لشكها ولا لسؤالها، أو طلبها «رحمها الله» وجه وجيه.
مع الإشارة إلى أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قبل
أن تكون من أهله، ومن أزواج النبي ـ ولو مجازاً ـ كما أشار إليه أهل
اللغة، ورفض أن تكون من أهل بيته ولو مجازاً حسبما صرحت به الروايات.
وبذلك يتضح:
أنه لا مجال لدعوى: أنها حين رأت النبي «صلى الله عليه وآله» قد جعل
أهل بيته تحت الكساء خامرها الشك في ذلك، فدعاها ذلك إلى السؤال.
إلا أن تكون قد فهمت:
أن المراد هو بيت السكنى الخاص الذي جمع النبي «صلى الله عليه وآله»
فيه أهل بيته، ورأت نفسها خارجة منه فمنعها رسول الله «صلى الله عليه
وآله» من الدخول فيه وعرّفها خطأها في تصورها، لأن المراد ليس هو بيت
السكنى بل بيت النبوة.
وبذلك يصبح موقف النبي هذا آكد في رد كلام هؤلاء
ودعواهم دخول نسائه «صلى الله عليه وآله» في الآية.
4 ـ ولو سلمنا:
أن السياق له ظهور في كون الخطاب للزوجات، فقد عرفنا أنه لابد من رفع
اليد عنه، لأجل الروايات الحاصرة لـ«أهل
البيت»
في أصحاب الكساء دون سواهم.
5 ـ
إننا حتى لو سلمنا وجود اختلاف في السياق، فإن الاستطراد والاعتراض، لا
ينافي بلاغة الكلام، ولا يقلل من قيمته وقوته.
6 ـ
إن التغيير في الضمائر، من الإناث إلى ضمائر جماعة الذكور، ثم الآتيان
بلفظ البيت مُحلىً بلام العهد «البيت». مع كونه حين أراد بيوت الزوجات
قد جاء به بصيغة الجمع مضيفاً له إليهن، فقال: «بيوتكن».
يؤيد أن تكون آية التطهير ليست خطاباً لهن.
هذا كله..
عدا عن سائر ما ذكرناه حول ان الخطاب في الآيات إنما هو موجه للنبي
«صلى الله عليه وآله» وبيت النبوة. وقد جاء الكلام مع النساء على سبيل
الالتفات إليهن. أو أنه استمرار لخطاب النبي «صلى الله عليه وآله» لهن،
امتثالاً لأمر الله تعالى له بأن يبلغ لأزواجه كل تلك الأمور.
إلى غير ذلك من أمور اتضحت فيما سبق، ولا مجال لاعادتها.
([1])
راجع المصادر التالية: فتح القدير ج4 ص279 و280 وتهذيب تاريخ
دمشق ج4 ص208 وأحكام القرآن للجصاص ج5 ص230 ونفحات اللآهوت ص85
والكلمة الغراء في تفضيل الزهراء (مطبوع مع الفصول المهمة)
ص213 ومختصر التحفة الاثني عشرية ص149 و152 والبحار ج35 ص234
ونظرية الإمامة ص181 و182 والسنن الكبرى ج2 ص150 والمواهب
اللدنية ج2 ص123 وإسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار)
ص108 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص300 ودلائل الصدق ج2 ص94 عن
ابن روزبهان والميزان ج16ص311 ومجمع البيان ج8 ص356 ولباب
التأويل ج3 ص466 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص486 والصواعق
المحرقة ص141 والصراط المستقيم ج1 ص185 ونوادر الأصول ص265
و266 ومرقاة الوصول ص105 و107 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص182
و183 والكشاف ج3 ص538 والتفسير الحديث ج8 ص262 و263 وراجع ص259
والأصول العامة للفقه المقارن ص152.
|