واستدلوا للقول بأن الآية ناظرة
إلى خصوص زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» بأن ابن عباس وعكرمة قد
ذهبا إلى ذلك([1]).
ونقول:
1 ـ
حتى لو صحت نسبة ذلك إلى ابن عباس ـ وهي غير صحيحة ـ كما سنشير إليه،
فإن هذا يكون اجتهاداً منه، كما هو اجتهاد من عكرمة، ومقاتل، وعروة بن
الزبير، ولا يؤخذ بالاجتهاد مع وجود النص الصحيح والصريح عن رسول الله
«صلى الله عليه وآله»، الذي يبين فيه المراد من «أهل
البيت».
2 ـ
قد تقدم أن السياق يفيد: أن الزوجات لسن داخلات في آية التطهير. فيكون
هذا قرينة أخرى على خطأ هؤلاء في اجتهادهم.
هذا بالإضافة إلى أدلة أخرى، ومنها قول زيد بن أرقم،
وغير ذلك من أمور تقدمت الإشارة إليها.
3 ـ
إن قول هؤلاء معارض بقول أبي سعيد الخدري، وأم سلمة، وعائشة، وغيرهم
ممن قال باختصاص الآية بأهل الكساء، وخروج النساء عن مفادها.
4 ـ
ونحن نشك كثيراً في صحة هذه النسبة إلى كل من: ابن عباس، والكلبي، وابن
جبير، ولبيان ذلك نقول:
إن نسبة هذا القول إلى ابن عباس لا تصح، فقد روي عنه ما
هو أصح سنداً، وهو أنه يقول: إن آية التطهير نزلت في أهل الكساء «عليهم
السلام».
وفي بعض الروايات عنه دلالة على أن «أهل
البيت»
«عليهم السلام» هم رحم النبي «صلى الله عليه وآله» وعشيرته، وهي
الرواية التي يذكر فيه اختيار الله نبيه «صلى الله عليه وآله» من خير
القبائل، ثم اختار من القبائل بيوتاً([2]).
والظاهر: هو أن رواية ذلك عن ابن عباس منحصرة في عكرمة،
وسنتحدث عن عكرمة هذا، وعن قيمة ما يرويه وما يدّعيه..
وأما رواية سعيد بن جبير عن ابن
عباس، فيبدو أنه قد أخذها أيضاً عن عكرمة، لأن ابن مردويه قد رواها عن
سعيد بن جبير، عن عكرمة، عن ابن عباس([3])
فراجع.
أما نسبة هذا القول إلى الكلبي،
فهي أيضاً مشكوكة، إذ أن الكلبي قد عد في جملة القائلين بأن المراد
بالآية خصوص أهل الكساء، ولا تشمل الزوجات([4]).
أما نسبة هذا القول إلى سعيد بن جبير، فربما تكون ناشئة
عن دعواهم: أن ابن جبير قد روى اختصاص الآية بالزوجات عن ابن عباس،
فلعل الكاتب قد أهمل ابن عباس، واكتفى بذكر ابن جبير. فعده الآخرون في
جملة القائلين بذلك.
أما بالنسبة لعروة بن الزبير، وعكرمة ومقاتل، فإننا لا
نستغرب عليهم، الوقوع في علي «عليه السلام» خصوصاً، وفي بني علي «عليهم
السلام» على وجه العموم، ولتوضيح ذلك نقول:
أما عروة الذي كان يحب أن يسطر
الفضائل لخالته عائشة؛ فإن أقواله وآراءه لا يعتد بها، خصوصاً بالنسبة
إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» الذي كان يُكِنّ له عروة بغضاً
شديداً، وعداوة قوية، حتى إنه كان إذا ذكر أمير المؤمنين علي «عليه
السلام» نال منه([5])
وأصابه الزمع؛ فيسبه، ويضرب إحدى يديه على الأخرى([6]).
وعده الإسكافي من التابعين الذين
كانوا يضعون أخباراً قبيحة في علي «عليه السلام»([7]).
وروى عبد الرزاق عن معمر، قال: كان
عند الزهري حديثان عن عروة، عن عائشة في علي «عليه السلام»، فسألته
عنهما يوماً؛ فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟! إني لأتهمهما في بني
هاشم([8]).
وكان يتألف الناس على روايته([9]).
وقد قال لابن عمر:
إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء، فيتكلمون بالكلام نعلم أن الحق غيره
فنصدقهم؛ ويقضون بالجور فنقويهم، ونحسنه لهم؛ فكيف ترى في ذلك؟!
فقال له ابن عمر:
يا ابن أخي كنا مع رسول الله «صلى
الله عليه وآله» نعد هذا النفاق، فلا أدري كيف هو عندكم([10]).
أما عكرمة، فأمره أشهر من أن
يُذكَر، فقد كان من الخوارج([11])،
وكان يحدث برأي نجدة الحروري، وخرج إلى المغرب، وكان أول من أحدث فيهم
رأي الصفرية([12])،
فالخوارج بالمغرب عنه أخذوا([13]).
وروي أنه وقف على باب المسجد فقال:
ما فيه إلا كافر، وكان يرى رأي الأباضية([14]).
ولعله تقلب في مذهبه فكان أصفرياً تارة، وأباضياً أخرى..
وادعى عكرمة على ابن عباس: أنه كان
يرى رأي الخوارج([15])
أيضاً!!.
وكان عكرمة يتهم بالكذب([16]).
وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس
فيه([17])،
وكذبه على ابن عباس معروف ومشهور([18]).
وقد أوثقه علي بن عبد الله بن عباس عند باب الحش، فقيل له: ألا تتقي
الله؟!
فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي([19]).
وكان يتختم بالذهب، ويغني، ويُتّهم في امر الصلاة،
واللعب بالنرد ـ فراجع ترجمته..
أما مقاتل بن سليمان فقد وصفوه
بأنه كان كذاباً([20]).
وقال الجوزجاني:
كان دجالاً جسوراً، سمعت أبا
اليمان يقول: قدم ها هنا، فأسند ظهره إلى القبلة، وقال: سلوني عما دون
العرش ـ وحُدّثت: أنه قال مثلها بمكة ـ فقام إليه رجل فقال: أخبرني عن
النملة أين أمعاؤها؟! فسكت([21]).
وله قصة أخرى في بيروت أيضاً([22]).
ومن الواضح:
أنه يريد بذلك أن يتشبه بأمير المؤمنين «عليه السلام»
ففضحه الله تعالى.
وقال ابن حبان:
كان يأخذ من اليهود والنصارى، من علم القرآن الذي يوافق كتبهم. وكان
يشبه الرب بالمخلوقات. وكان يكذب في الحديث([23]).
والكلام حول هذا الرجل، وكونه
دجالاً، ضعيفاً في الحديث، متروكاً، متهماً([24])
كثير لا مجال له هنا.
ووصفوه أيضاً بأنه كان فاسقاً
فاجراً([25]).
فراجع ترجمته؛ لتعرف بعض ما قيل ويقال فيه.
([1])
راجع: فتح القدير ج4 ص279و280.
([2])
راجع الروايات التي عن ابن عباس في: الدر المنثور ج5 ص199 عن
الحكيم الترمذي، والطبري، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي
معاً في الدلائل، وفتح القدير ج4 ص280 وكتاب سليم بن قيس ص104
وشواهد التنزيل ج2 ص29 ـ 31 وكفاية الطالب ص377 والصواعق
المحرقة ص142 وينابيع المودة ص15 وإسعاف الراغبين ص108 والعمدة
لابن بطريق ص42 ومرقاة الوصول ص107 ومجمع البيان ج9 ص138.
وراجع: البحار ج37 ص35 ط مؤسسة الوفاء وج9 ص536 ط حجرية وترجمة
الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج1
ص183 ومستدرك الحاكم ج3 ص132 والغدير ج1 ص50 وج30 ص196 وقاموس
الرجال ج6 ص403 والايضاح ص170 وراجع أيضاً: آية التطهير في
أحاديث الفريقين ج1 ص105 حتى 116 بطرق عديدة عن مصادر كثيرة.
([3])
راجع: الدر المنثور ج5 ص189.
([4])
راجع: الجامع لأحكام القرآن ج14 ص182 و183 وفتح القدير ج4 ص279
وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص208.
([5])
الغارات للثقفي ج2 ص576 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص102.
([6])
قاموس الرجال ج6 ص300.
([7])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص63.
([8])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص64 وقاموس الرجال ج6 ص299.
([9])
صفة الصفوة ج2 ص85 وتهذيب التهذيب ج7 ص182 وحلية الأولياء ج2
ص176 وتذكرة الحفاظ ج1 ص62 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص265.
([10])
السنن الكبرى ج8 ص165 وقريب منه ما في صفحة 164 لكنه لم يصرح
فيها باسم عروة ومثله في الترغيب والترهيب ج4 ص382 عن البخاري
وإحياء علوم الدين ج3 ص159 وفي هامشه عن الطبراني.
([11])
راجع: ميزان الاعتدال ج3 ص93 و95 و96 وشرح النهج للمعتزلي ج5
ص76 وفجر الإسلام ص261 والمنتخب من ذيل المذيل ص122 وتنقيح
المقال ج2 ص256 والأعلام للزركلي ج4 ص244 وفتح الباري
(المقدمة) ص424 و425 والعقود الفضية ص65 والطبقات الكبرى ج5
ص292 و293 وقاموس الرجال ج6 ص326و327 عن الكافي، وعن المعارف
لابن قتيبة، ووفيات الأعيان ج3 ص265 والمغني في الضعفاء ج2
ص438 وتذكرة الحفاظ ج1 ص96 والمعارف ص457 وشذرات الذهب ج1 ص130
والضعفاء الكبير للعقيلي ج3 ص373 ومختصر تاريخ دمشق ج17 ص144
و152 و151.
([12])
سير أعلام النبلاء ج5 ص20 و21 و30 وراجع: ميزان الاعتدال ج3
ص96 وقاموس الرجال ج6 ص327 وراجع مختصر تاريخ دمشق ج17 ص142
و151 وفتح الباري (المقدمة) ص425 و426.
([13])
سير أعلام النبلاء ج5 ص21 وميزان الاعتدال ج3 ص96 وفتح الباري
(المقدمة) ص425 و426.
([14])
سير أعلام النبلاء ج5 ص22 وميزان الاعتدال ج3 ص95 و96.
([15])
سير أعلام النبلاء ج5 ص22 وميزان الاعتدال ج3 ص96 وقاموس
الرجال ج6 ص327 عن ذيل الطبري، ومختصر تاريخ دمشق ج17 ص144
وفتح الباري (المقدمة) ص425.
([16])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص288 و289 وميزان الاعتدال ج3 ص93
و 94 و 95 و 96 و 97 وقاموس الرجال ج6 ص327 والمغني في الضعفاء
ج2 ص439 والمعارف ص438 ومختصر تاريخ دمشق ج17 ص149 و151
والمنتخب من ذيل المذيل ص122.
([17])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص293 وميزان الاعتدال ج3 ص94 وفتح
الباري (المقدمة) ص425.
([18])
راجع ما قاله ابن المسيب لمولاه: برد. وما قاله ابن عمر
لمولاه: نافع. وذلك في المصادر المتقدمة، ترجمة عكرمة.
([19])
ميزان الإعتدال ج3 ص94 وقاموس الرجال ج6 ص327 والمعارف ص456
وشذرات الذهب ج1 ص130 والضعفاء الكبير ج3 ص374 ومختصر تاريخ
دمشق ج17 ص151 وفتح الباري (المقدمة) ص425 ووفيات الأعيان ج3
ص265 و266.
([20])
ميزان الاعتدال ج4ص173 وراجع: كتاب الضعفاء والمتروكين
للدارقطني ص64 والمجروحون ج3 ص15 وتاريخ بغداد ج13 ص164 و165
و168 وكتاب الجرح والتعديل ج8 ص354 وتهذيب الأسماء ج2 ص111
ومختصر تاريخ دمشق ج25 ص201 و203 والمغني في الضعفاء ج2 ص675
وشذرات الذهب ج1 ص227 والضعفاء الكبير للعقيلي ج4 ص239 وقاموس
الرجال ج9 ص109 ووفيات الأعيان ج5 ص256 وراجع تنقيح المقال ج3
ص244 وراجع: خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص386.
([21])
ميزان الاعتدال ج4 ص174 والمجروحون ج3 ص14 ومختصر تاريخ دمشق
ج25 ص200 وشذرات الذهب ج1 ص227 والضعفاء الكبير ج4 ص239 ووفيات
الاعيان ج5 ص256 وتاريخ بغداد ج13 ص166.
([22])
الجرح والتعديل ج8 ص355 وتهذيب الأسماء ج2 ص111 ومختصر تاريخ
دمشق ج25 ص198 وص203 وراجع: ص199 و200 وسير أعلام النبلاء ج7
ص202 ووفيات الأعيان ج5 ص255 وراجع: تاريخ بغداد ج13 ص163
و166.
([23])
ميزان الإعتدال ج4 ص175 ووفيات الأعيان ج5 ص257 وراجع: خلاصة
تذهيب تهذيب الكمال ص386.
([24])
راجع: وفيات الأعيان ج5 ص256 و257 وترجمته في المصادر المتقدمة
وغيرها.
([25])
المجروحون ج3 ص16 ومختصر تاريخ دمشق ج25 ص201 وتاريخ بغداد ج13
ص163.
|