صفحة :   

لا تشمل الآية بني هاشم:

قد استدلوا على شمول الآية لجميع بني هاشم: إما مع النساء، أو بدونهن، بما يلي:

1 ـ حديث زيد بن أرقم الآنف الذكر([1]).

2 ـ حديث ابن عباس، الذي جاء فيه: إن الله قسم الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، إلى أن قال: ثم جعل القبائل بيوتاً: فجعلني في خيرها بيتاً؛ فذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب([2]).

3 ـ رواية زيد بن أرقم حين سأله الحصين: «من أهل بيته؟! نساؤه؟!

قال: لا وأيم الله، إن المرأة لتكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده»([3]).

4 ـ صلاحية لفظ «أهل البيت» لشمول الزوجات، والآل، فهو عام فيهما؛ لأن المراد بـ «البيت» ما يشمل بيت السكن وبيت النسب([4]).

ونقول:

بالنسبة لرواية زيد بن أرقم، نشير إلى أن الكنجي الشافعي قد سجل على قول زيد: المؤاخذات الثلاثة التالية:

1 ـ إن زيد بن أرقم قال: أهل بيت النبي «صلى الله عليه [وآله] وسلم» من حرم الصدقة بعده «صلى الله عليه [وآله] وسلم». مع أن حرمان الصدقة لا يختص بما بعد وفاته «صلى الله عليه [وآله] وسلم»، بل يشمل زمان الحياة وبعد الوفاة.

2 ـ إن من حرموا الصدقة لا ينحصرون في المذكورين، فإن بني المطلب يشاركونهم في الحرمان.

3 ـ إن «آل الرجل غيره على الصحيح، فعلى قول زيد يخرج أمير المؤمنين «عليه السلام»  عن أن يكون من أهل البيت»([5]).

ويرى البعض أن مراد الكنجي من هذه العبارة الأخيرة: أنه كما تخرج المرأة عن «البيت» بالطلاق بعد أن عاشت فيه دهراً، فكذلك الصهر يخرج عن «البيت» إذا انفصل عن البنت التابعة لذلك البيت، فإن الملاك في الموردين واحد. فيخرج علي «عليه السلام»  عن كونه من «أهل البيت» كما تخرج الزوجات.

ونقول:

أما بالنسبة للنقطة الثانية الواردة في كلام الكنجي، وهي أن بني المطلب يشاركون المذكورين في الحرمان، فنقول: إن الظاهر هو أن هذا من مجعولات الشافعي حيث كان يزعم أنه مطلبي، فأراد إحكام دعواه بتسجيل هذا الامتياز لبني المطلب.

وأما بالنسبة للذي ذكروه من توجيه لكلام الكنجي في الفقرة الثالثة، فنقول: هو أيضاً توجيه في غير محله، فإن زيد بن أرقم قد نص على أن «أهل البيت»: هم الأصل والعصبة. وعلي «عليه السلام» من العصبة؛ فلا معنى للإيراد من الكنجي على زيد بن أرقم بخروج علي «عليه السلام».

ولكن بعض المحققين قد أوضح عبارة الكنجي بنحوٍ آخر قد يقال: إنه هو الأقرب إلى الاعتبار، وحاصله:

أن علياً «عليه السلام»  هو نفس النبي «صلى الله عليه وآله» بنص آية المباهلة، فيخرج عن مدلول الآية، لأن آل الرجل غيره، وهم أصله وعصبته، مع أن النبي «صلى الله عليه وآله»، ومن هو بمنزلته داخل فيها، كما هو معلوم عند معظم العلماء والمحققين..

وقد رد بعض الأخوة هذا التوجيه بأن المراد: أنه مثله في المزايا والكمالات، وهذا لا ينافي كونه من آله.. إذ ليس المراد من كونه نفسه: أنه عينه، ولذا رتب الشارع عليهما أحكام التعدد في الإرث والزوجية وسائر التكاليف. انتهى..

أما احتمال أن يكون قد حصل اشتباه كتابي، فكان يريد أن يكتب «رسول الله» فكتب «أمير المؤمنين».

فهو احتمال ضعيف في العادة، فلا محيص عن الأخذ بما تقدم.

ثم إننا نضيف إلى كلام الكنجي، ما يلي:

1 ـ إن تفسير زيد بن أرقم لـ«أهل البيت» على هذا النحو إنما هو اجتهاد منه، فإذا ثبت عن الرسول غير ذلك، فالمعيار هو كلام الرسول، لا اجتهاد زيد، ولا غيره؛ إذ لا اجتهاد في قبال النص([6]).

وقد ثبت: أن الرسول قد عين المراد من «أهل البيت»، كما ظهر من نصوص حديث الكساء الصحيح والمتواتر المتقدمة..

2 ـ لو كان كلام زيد صحيحاً، فقد كان على الرسول «صلى الله عليه وآله» أن يدخل في الكساء أيضاً عباساً، وأبناءه، وعقيلاً، وجعفراً، وغيرهم من أقاربه، ويمر على باب بيوتهم، ويقرأ الآية الكريمة.

3 ـ إن كون المراد بـ «البيت» هو «بيت النسب»، وأصل النبي «صلى الله عليه وآله» وعصبته. أو «بيت السكنى»، أو هما معاً، غير ظاهر؛ إذ قد تقدم: أن الصحيح، بملاحظة الآيات، وسياقها، والاستعمالات الواردة فيها: أن المراد هو بيت النبوة. وأعضاء هذا البيت إنما يعرفون من خلال الدلالة الإلهية بواسطة الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله»، لأن الله هو الذي يعرف هؤلاء الذين استحقوا هذا المقام الرفيع بجهودهم وجهادهم «صلوات الله وسلامه عليهم».

وقد تقدم: أنه «صلى الله عليه وآله» قد عينهم في أصحاب الكساء، والأئمة الأطهار «عليهم السلام».

ولو سلم أن المراد هو «بيت السكنى» فلابُد أن يكون هو البيت الخاص الذي جمع فيه النبي «صلى الله عليه وآله» أهل الكساء كما قلنا.

4 ـ إن زيد بن أرقم لم يكن بصدد بيان المراد من عبارة «أهل البيت» الواردة في آية التطهير، بل كان يفسر المراد من حديث الثقلين([7]).

وهو وإن كان قد اشتبه في تفسيره له، لأجل ما ذكرناه آنفاً، إلا أنه يمكن أن يكون رأيه في المراد من «أهل البيت» في آية التطهير خلاف ذلك، خصوصاً مع إصراره هنا على أن كلمة «أهل البيت» لا تشمل النساء، فضلاً عن اختصاصها بهن لاسيما وهو يرى إصرار النبي «صلى الله عليه وآله» على تطبيق الآية على خصوص أهل الكساء. وقد استمر «صلى الله عليه وآله» يؤكد ذلك أشهراً عديدة. بل إلى أن توفي «صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين».

5 ـ أما حديث ابن عباس، حول جعل الله القبائل بيوتاً، فجعل نبيه «صلى الله عليه وآله» من خيرها بيتاً؛ فهو لا يدل على أن المراد بـ «أهل البيت» في آية التطهير جميع بني هاشم، أو جميع من حرموا الصدقة بعده «صلى الله عليه وآله» كما يدعيه زيد بن أرقم. بل هو كلام آخر، له سياقه الخاص به..

6 ـ إن حديث ابن عباس، ليس فقط لا ينافي حديث الكساء المتقدم، بل هو ينسجم معه ويؤكد مضمونه، فإن المراد به، أن هناك عناية ربانية في أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» من بيت شرف، وطهر، ومجد، وفضل؛ فإذ وجد لهذا النبي أهل بيت نبوة، بعد أن يصبح نبياً، وكانوا مطهرين من الذنوب، فذلك لا يكون على خلاف القاعدة، إذ أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد جعل من خير بيوت قريش، فلا غرو أن يكون أهل بيته الذين تربوا في حجر النبوة مطهرين أيضاً من الذنوب. فوجود أهل بيته إنما هو في طول وجوده كنبي، لا في عرضه.

7 ـ فليس المراد إذن، بـ «أهل البيت» جميع بني هاشم، لأن بني هاشم كان فيهم العالم والجاهل، والمؤمن والكافر، والفاسق والتقي. وإنما يراد بيان فضل جماعة خاصة أطلق عليهم القرآن عنوان أهل بيت النبي «صلى الله عليه وآله»، أي من حيث هو نبي، ومن حيث أن البيت بيت النبوة..

ولو كان العرق والقبيلة معياراً للزم أن يكون أبو لهب وأمثاله مطهرين أيضاً من الذنوب مع أن الأمر ليس كذلك.

وهذا يعني: أنه وإن كان لبيت القبيلة أثره الكبير، ولكنه ليس هو كل شيء، ولا بالنسبة إلى كل أحد؛ فلابد من الرجوع إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ليخبرنا عن الطاهرين منهم، ويميزهم لنا عن غيرهم.


 

([1]) استدل به الرستغني كما في تاريخ دمشق ج4 ص208 وهو اختيار ابن بدران أيضاً.

([2]) الدر المنثور ج5 ص199 عن الحكيم الترمذي، والطبراني، وابن مردويه، وأبي نعيم في الدلائل، والبيهقي في الدلائل أيضاً. وفتح القدير ج4 ص280 وكتاب سليم بن قيس ص104 وشواهد التنزيل ج2 ص30 وكفاية الطالب ص377 والصواعق المحرقة ص142 وينابيع المودة ص15 وراجع إسعاف الراغبين (بهامش نور الأبصار) ص108 والعمدة لابن بطريق ص42 ومرقاة الوصول ص107 ومجمع البيان ج9 ص138.

([3]) صحيح مسلم ج7 ص123 والصراط المستقيم ج1 ص185 وتيسير الوصول ج2 ص161 والبرهان في تفسير القرآن ج3 ص324 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص486 والطرائف ص122 والبحار ج35 ص230 وج23 ص117 والعمدة لابن البطريق ص35 والتفسير الحديث ج8 ص261 عن التاج الجامع للأصول ج3 ص308وص309 وخلاصة عبقات الأنوار ج2 ص64 عن دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب ص227ـ231 وإحقاق الحق ج9 ص323 عن الجمع بين الصحيحين والصواعق المحرقة ص148 ونقل أيضاً عن جامع الأصول ج10 ص103.

([4]) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج4 ص208 عن الرستغني، والضحاك والزجاج وراجع: إسعاف الراغبين ص108 عن الزمخشري والبيضاوي والتسهيل لعلوم التنزيل ج3 ص137 والصواعق المحرقة ص141.

([5]) راجع نص كلام الكنجي وملاحظاته المشار إليها في: كفاية الطالب ص54 وخلاصة عبقات الأنوار ج2 ص67 و371.

([6]) راجع: الكلمة الغراء (مطبوع مع الفصول المهمة) ص215.

([7]) راجع هذه الفقرة في: تفسير القرآن العظيم ج3 ص486 والكلمة الغراء (مطبوع مع الفصول المهمة) ص215.

 
   
 
 

موقع الميزان