صفحة :   

هل آية التطهير في قوة الشرطية؟!:

والغريب في الأمر هنا: أننا نجد البعض في حين يقول: إن إرادة إذهاب الرجس في آية التطهير تكوينية، فإنه يعود، فيناقض نفسه، ويقول: إن الآية في قوة الشرطية.

وحاصل ما يريد أن يقوله هنا هو: أن الله سبحانه قد أراد تطهير «أهل البيت»، وإبعادهم عن كل رجس، وأراد ملازمتهم للتقوى والعمل الصالح. فأصدر لهم أوامر وزواجر لأجل ذلك، وهي ليست أوامر وزواجر امتحانية، بل هي لإيصالهم إلى الفضائل، وإبعادهم عن الرذائل.

فيكون هنا قضية شرطية مفادها: أنهم إذا امتثلوا الأوامر، واجتنبوا المناهي، فإن الله يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تكويناً.

فالإرادة الإلهية مشروطة بالطاعة منهم.

وهذا نظير قولنا: أردنا أن يكون الماء رافعاً للعطش، فإن مجرد الإرادة لا تكفي لذلك، بل يشترط أن يشرب العطشان من هذا الماء. رغم أن رفع العطش يكون بالإرادة التكوينية([1]).

ونقول:

إن هذا الكلام عجيب وغريب حقاً:

فأولاً: إن كونها إرادة تكوينية، ثم اشتراط ذلك بامتثالهم للأوامر والزواجر، غير ذي فائدة، لأن هذا هو معنى الإرادة التشريعية عندهم وحصول التطهير تكويناً بعد امتثال الأوامر والزواجر لا يضر في هذه الحقيقة شيئاً.

ثانياً: قد تقدم منا توضيح: أن إرادة الله سبحانه وتعالى قد تعلقت بإبعاد الرجس عنهم، وهي إرادة لم تتعلق بأفعالهم هم، وليس لامتثالهم وعدمه أية مدخلية فيها.

لأن الأمر والنهي إنما توجه إلى الزوجات وهو متعلق لإرادة تشريعية تكشف عن إرادة شديدة وراسخة بأن يكونوا «عليهم السلام» مطهرين عن أي رجس في ذاتهم وتكشف عن وجود طهارة فعلية لتلك الذوات.

وإذا كان الله سبحانه يضاعف العذاب ضعفين لمن يرتكب ذنباً لمجرد أنه قريب منهم في السكنى والمعاشرة، فهل يمكن أن يرضى بلحوق الرجس بذواتهم أنفسهم؟!

ثالثاً: لو قبلنا: أن آية التطهير، قد جاءت على سبيل الاعتراض، والاستطراد، فإن الجمل الاعتراضية، والاستطرادية، لا يمكن أن تكون شرطاً للكلام الذي تقع في ضمنه، إذ أن شرطيتها حينئذٍ تنافي اعتراضيتها واستطراديتها.

رابعاً: قد تقدم: أن هذه الآية قد جاءت لتثبت لـ«أهل البيت» امتيازاً على غيرهم. وإذا كانت الإرادة فيها تشريعية، أو تكوينية مشروطة بالطاعة منهم، لم تكن مدحاً لأحد؛ فإن الله يريد للجميع أن يطيعوه، وهو تعالى يُذْهِب عن كل مطيع رجس ما يطيعه به. ولا يختص هذا الأمر بـ«أهل البيت» «عليهم السلام»..

خامساً: إن هناك استدلالات كثيرة لـ«أهل البيت» «عليهم السلام»، بهذه الآية على حصول التطهير الفعلي لهم، ولم يعترض عليهم أحد: بأن الآية تشترط لتطهيركم أن تعملوا بالأوامر، وأن تنتهوا عن المناهي، ولعله لم يتحقق ذلك منكم.

فذلك يدل على أن الناس و«أهل البيت» «عليهم السلام» منهم قد فهموا القضية على النحو الذي قررناه، وحديث الثقلين يؤكد مرجعية «أهل البيت» في قضايا الدين. مما يعني أن ما يقولونه هو الصواب..


 

([1]) راجع: روح المعاني ج21 ص18.

 
   
 
 

موقع الميزان