يقول البعض:
«.. غاية المقصود: أنهم محفوظون عن الذنوب بعد تعلق
إرادة الله بذهابها. ولو كان المراد بالتطهير إزالة الذنوب جميعاً،
للزم ذلك أهل بدر جميعاً، لقوله تعالى فيهم:
﴿وَلَكِنْ
يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾([1]).
وقال تعالى:
﴿لِيُطَهِّرَكُمْ
بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾([2]).
فلو كانت الطهارة وإذهاب الرجز
تفيد العصمة لكان الصحابة أولى بذلك؛ لأن في ذلك تمام النعمة المذكورة
في الآية، ولا يتصور إتمام النعمة بدون الحفظ عن المعاصي، وشر الشيطان([3]).
ونقول:
إنها مغالطة واضحة، وذلك لما يلي:
1ـ
إن الحديث في آية الأنفال في قصة بدر إنما هو عن السبب في إنزال ماء
المطر عليهم، حينما كانوا بحاجة إليه للتطهير، والوضوء والاغتسال، ونحو
ذلك؛ كما هو صريح الآيات.
فليس الكلام فيها ناظراً إلى التطهير من الذنوب
والنقائص، كما هو الحال في آية التطهير لـ«أهل
البيت»
في سورة الأحزاب.
وكذا الحال بالنسبة للآية التي في سورة المائدة، فإنها
إنما تتحدث عن السبب في تشريع الوضوء والتيمم، فالتطهير المراد هو الذي
يناسب ذلك، وذلك بخلاف الآية التي في سورة الأحزاب، الناظرة إلى
التطهير عن الرجس، وكل نقص لأناس بأعيانهم دون كل من سواهم.
2 ـ
أما حديثه عن أولوية الصحابة بالعصمة فلا يصح لأن المراد في آية سورة
المائدة هو تمام اللطف في محنتهم التي واجهوها مع أعدائهم حيث أنزل لهم
الماء ليطهرهم به، وليثبت به أقدامهم وليس فيها أية إشارة إلى المعاصي
والذنوب..
أما المراد برجز الشيطان، فهو وسوسته لهم بهدف إضعافهم
وتشكيكهم بوعد الله لهم أو نحو ذلك..
3 ـ
إن قوله: «إنهم محفوظون عن الذنوب بعد تعلق إرادة الله بذهابها.» صحيح،
ولكن السؤال هو:
متى تعلقت هذه الإرادة؟! فإن الآية لم تحدد لنا وقت
تعلقها صراحةً. وليس من المعقول إرادة الطهارة من الرجس برهة من العمر
غير محددة، فإن ذلك يحصل لكثير من الناس، بل لجميع الناس حتى الكافر
منهم، فلا ضرورة بل لا معنى لتمجيد طهارة بهذا المقدار، بل يكون ذكرها
لغواً..
كما أن التحديد للإرادة بوقت نزول الآية غير صحيح فإن
الله سبحانه لم يكن ليرضى لأهل بيت النبوة بما هو بيت نبوة، بارتكاب
الفواحش قبلها.
أضف إلى ذلك ما ذكره بعض الأخوة،
من:
أنه على هذا التقدير ـ لا يبقى لـ«أهل
البيت»
المقصود تكريمهم ومدحهم في الآية أية مزية، إذ أن كثيراً من هذه الأمة
قد ارتكبوا المعاصي مدة من حياتهم، ثم تابوا وأصلحوا وطهروا من الرجس،
ولو في آخر سنوات حياتهم..
وحديث ابن عباس المتقدم حول اختيار الله النبي «صلى
الله عليه وآله» من الأمم والقبائل، والذي يقول: «فأنا وأهل بيتي
مطهرون من الذنوب»، وغيره من النصوص يدلنا على أن طهارتهم منها قد كانت
من ابتداء أمرهم «عليهم السلام»، حتى الانتهاء.
هذا بالإضافة إلى ما قدمناه من الوجوه العديدة التي
استفدناها من نفس الآية، الدالة على عصمتهم «عليهم السلام» مطلقاً.
فليراجع ذلك فيما سبق.
([1])
الآية 6 من سورة المائدة.
([2])
الآية 11 من سورة الأنفال.
([3])
راجع: مختصر التحفة الاثني عشرية ص153 ونظرية الإمامة ص182
و183.
|