ونقول:
إنّنا في مجال مناقشة هذا النص، لا نريد أن نتوقف
كثيراً عند الأمور التالية:
ألف ـ
إنّ
الحصري لم يذكر لنا سند هذه الرواية، ولا أعرب عمّن نقلها عنه.
وقد يمكن الاعتذار
عنه:
بأنّ من الممكن أن يكون الحصري، قد نقل ذلك عن ثقة، لا يعتمد الكذب
والوضع.. كما أنّه لم يأخذ على عاتقه أن يذكر أسانيد الروايات في
كتابه..
ب ـ
ولا نريد أن نناقش في حرمة النبيذ؛ فنقول:
إنّ
حرمته غير مسلمة لدى جميع الفقهاء..
إذ
إنّ
الشريف
«رضوان
الله تعالى عليه»
قد كان من طائفة الإماميّة الذين يرون حرمة النبيذ، كسائر أنواع
الخمر..
ج ـ
ولا بأنّ هذا النص لم يتضمن مشاركة الشريف الرضيّ
«رحمه
الله»
في الشرب.
إذ
إنّ
مجرد كون مجلس الشراب في بيته، وحضوره فيه، كاف في إثبات الإدانة له.
د ـ
ولا بأننّا رغم بحثنا الجاد، لم نعثر على ذكر لكوران
المغنيّ هذا، الذي ورد اسمه على أنّه بطل
هذه
الحادثة.
إذ قد يمكن
الجواب عن ذلك؛
بأنّ عدم ذكره في غير هذه الحادثة، لا يدلّ على عدم وجوده، فضلاً عن
أنّ البحث والتنقيب قد يؤدي إلى العثور على شيء ممّا يرتبط به.
هـ ـ
ولا نريد أيضاً: أن نقول ـ كما يقول البعض ـ :
«إنّ
الرضيّ لا يشغل بنقاش مع كوران المغنيّ، من أجل ثوب مسروق، ولا يعقل أن
يظن كوران بالشريف ـ مع جلالة قدره وعظم محله ـ أو أحد جلسائه،
أنه
سرق الثوب.
إنّ هذا لو قيل في مجالس الفتاك والصعاليك؛ لكان له محل
من التصديق، أمّا في مجلس الرضيّ، فلا يرد مثل هذا..»([1]).
إذ قد يجاب
عن ذلك:
بأنّ الخبر قد سيق على سبيل الدعابة، وهي لا تأبى
عن ذلك كلّه.. لا.. لا نريد أن نتوقف عند كل ما ذكرناه، ولا أن نصرّ
عليه، على اعتبار أنّه كلّه أو بعضه كاف في وهن هذه الرواية، وعدم
اعتبارها.
وإنّما نريد
هنا:
أن نلقي نظرة سريعة على واقع وأخلاقيـات السيد الشريف الرضيّ
«رضوان
الله تعالى عليه»،
لنرى: إن كانت تنسجم مع اشتراكه في
مجالس كهذه، أو لا..
ولا نريد أن نتشبث هنا بما يذكره كل من ترجم للشريف،
حيث يؤكدون بما لا مزيد عليه، على
إبائه،
وعزّة نفسه، وطموحه إلى جلائل الأعمال، وعظائمها، وتحلّيه
بمحاسن الأخلاق وكرائمها، وترفّعه عن كل مهين، وتجنّبه كل مشين، وما
إلى ذلك..
فلربما يقال:
إنّ هذا كله لا يتنافى مع صدور ذلك منه
«رحمه الله تعالى»؛
فإنّ شرب النبيذ، والحضور في مجالسه، لم يكن عيباً، ولا هو مخل
بالمروءة، ولا مهيناً للكرامة، بعد أن كان الأعيان والأشراف، وحتى
الخلفاء يمارسون ذلك، ولا يأبون عنه، ولا يرون فيه أي محذور..
([1])
ديوان الشريف الرضيّ، مقدمة الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو،
ص32.
|