السياسة اليزيدية تجاه مكة والكعبة

   

صفحة :   

السياسة اليزيدية تجاه مكة والكعبة:

واما فيما يرتبط بإهانتهم لمكة المكرمة، والكعبة الشريفة، فيكفي أن نشير هنا إلى أنهم في ما سلف من أيامهم، قد حاصروا مكة أكثر من مرة([1]). وفي أحداها: تعرض أهلها للمخصمة الشديدة، والمجاعة المحاقة، حتى مات منهم الكثيرون، وهاجر من هاجر، «وبعضهم مات، وهو يمشي، وترى الأطفال موتى في كل زقاق، فهرع الناس إلى الحسينية من الطرق الصعبة، خوفاً من السطوة بهم، فمنهم من قتل، ومنهم من مات جوعاً»([2]).

وحينما دخل سعود بن عبد العزيز مكة، في أوائل القرن الثالث عشر للهجري، خطب الناس، فكان مما قال:

«اعلموا أن مكة حرام ما فيها، لا يختلى خلالها، ولا ينفر صيدها وإنما أجلت ساعة من نهار. إلى أن قال: ولم نزل ندعو الناس للإسلام، وجميع من تراه عيونكم، ومن تسمعون به من القائل، إنما أسلموا بهذا السيف، ورفع سيفه تجاه الكعبة»([3]).

فليلاحظ: أنه حين يجعل نفسه مكان رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حتى ليدعي: أن الكعبة المحرمة إلى الأبد، بنص رسول الله، قد أحلت ساعة من نهار، ويدعي: أن المسلمين الذين قهرهم على مذهبه إنما دخلوا في الإسلام، بعد أن كانوا غير مسلمين ـ أنه بعد ذلك كله لا يتورع عن أن يرفع سيفه تجاه الكعبة، دونما خشية ولا خجل.

هذا بالإضافة إلى أنهم قد منعوا الناس من الحج واعتبروا: أن كل من ليس وهابياً فهو مشرك، وقد استمر هذا المنع لعدة سنوات([4])، هذا عدا عن منعهم من التبرك بمقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومن لمسه، وتقبيله([5]).

وأعظم من ذلك كله، وأمر وأدهى: أن وزارة أوقافهم، قد رأت أن جميع مشكلات المسلمين قد حلت، وكل قضاياهم على ما يرام، ولم يبق أمامهم إلا التقريظ، والثناء، والدفاع عن: يزيد القرود، والفهود، شارب الخمر، وقاتل النفس المحرمة، وقاتل سيد شباب أهل الجنة، وسبط رسول الله «صلى الله عليه وآله»، الإمام الحسين «عليه السلام»، وأهل بيته وصحبه، فنشرت هذه الوزارة كتاباً في تقريظه والدفاع عنه، بعنوان: حقائق عن امير المؤمنين يزيد بن معاوية.

وليت الإمام أحمد بن حنبل حاضر في هذا الوقت، لينظر إلى من يدعون احترام آرائه، كيف يدافعون، ويقرظون رجلاً قد حكم في نفسه بكفره، وخروجه عن الإسلام([6]).

وليت عمر بن عبد العزيز، الذي ضرب من وصف يزيد بأمير المؤمنين عشرين سوطاً([7])، حاضر أيضاً، لنرى كيف يؤدب شيوخ هؤلاء وحكامهم، على جرأتهم ووقاحتهم هذه.

ولعل تقريظهم ودفاعهم عن الطاغية يزيد، قد جاء لأجل رد الجميل ليزيد، وشكره على ما فعله بالحسين وأهله وصحبته ثم بأهل المدينة في وقعة الحرة المشهورة، وعلى ما فعله بالكعبة، ومكة، حينما نصب المنجنيق على أبي قبيس، وذلك معروف ومشهور، ولا يكاد يخلو منه كتاب يؤرخ للأحداث في عهد يزيد الطاغية.

ومهما يكن من أمر: إننا نجد التطابق الواضح ايضاً، بين السياسة الوهابية من جهة وبين السياسة الحجاجية اليزيدية الأموية من جهة أخرى.

فهؤلاء كالحجاج، وكسلفه يزيد، وكسائر الأمويين، لا يقيمون للكعبة وزناً، ولا تمنعهم حرمتها من رميها بالمنجنيق، كما فعله الحجاج وغيره، بل لقد رماها الحجاج بما نربأ بأنفسنا عن ذكر اسمه([8]).

وأنفذ الوليد الخليفة الأموي رجلاً مجوسياً، ليبني له على الكعبة مشربة للخمر كما أنه قد ذهب في عهد هشام إلى مكة، ومعه خمر، وقبة ديباج على قدر الكعبة، وأراد أن ينصبها عليها، ويجلس فيها، فخوّفه أصحابه من ثورة الناس، حتى امتنع([9]).

وبالنسبة لمقام إبراهيم، فلقد كان الحجاج يريد أن يضع رجله عليه، فيمنعه ابن الحنفية ويزجره([10]).

وكان خالد القسري يمسي زمزم أم الجعلان([11])، وله أيضاً قضايا صريحة في إهانة الكعبة الشريفة([12]). وتتبع أمثال هذه الموارد لا مجال له في عجالة كهذه.


 

([1]) المصدر السابق ص27 و 28 و 29 و30.

([2]) المصدر السابق ص32.

([3]) المصدر السابق ص22.

([4]) كشف الإرتياب ص6 و 9 و 34 و 35 عن تاريخ نجد للآلوسي والجبرتي، وغيرهما.

([5]) كشف الإرتياب ص441.

([6]) الإتحاف بحب الأشراف ص68 و 63.

([7]) الصواعق المحرقة ص222 وتاريخ الخلفاء ص209.

([8]) راجع: عقلاء المجانين ص178 والفتوح لابن أعثم ج2 ص486 وذكروا: أنه رماها بالعذرة والعياذ بالله.

([9]) راجع: بهج الصباغة ج5 ص340 عن الطبري، والأغاني.

([10]) المنصف لعبد الرزاق ج5 ص49 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص94 وربيع الأبرار ج1 ص43 وفيه زيادة.

([11]) راجع: الأغاني ج19 ص60 و 59 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص82.

([12]) راجع: الأغاني ج19 ص60 و 59.

 
   
 
 

موقع الميزان