الاتجاه الرابع: الوهابية، وأمن مكة:
إن هؤلاء اللذين استولوا بالقوة والقهر على الحرمين
الشريفين، بعد أن عانى أهلهما منهم الأمرين، وهلك الكثيرون من أهل مكة
جوعاً، عدا من قتل منهم، بسبب حصارهم لها، حسبما قدمناه.
إن هؤلاء، كانوا ولا يزالون، لا يتقون الله في حجاج بيت
الله الحرام، وزائري حرم رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ولم ينس الناس بعد، ما فعلوه في أوائل دعوتهم، واشتداد
شوكتهم، بحجاج اليمن حيث قتلوهم، وكانوا زهاء ألف حاج، غيلة وغدراً،
ولم ينج منهم سوى رجلين أخبرا بما كان([1]).
كما لم ينس الناس قتلهم ونهبهم للوافدين إلى مكة([2])،
ثم منعهم الناس من الحج، لعدة سنوات، حينما سيطروا على مكة المكرمة،
حسبما أسلفناه.
كما أنهم قد قتلوا جملة من بني شيبة، سدنة البيت، كانوا
مصطافين في الطائف في سنة 1342هـ.ق([3])،
إلى غير ذلك من جرائم ارتكبوها، وعظائم اقترفوها، لسنا في مجال تفصيلها
هنا.
وكذلك..
فإن حجاج بيت الله تعالى، لا يزالون يعانون الكثير من الإهانات،
والشتائم، بل والضرب المبرح في أحيان كثيرة، إن لم ينته الأمر في بعضهم
إلى القتل لممارستهم شعائرهم الدينية، وعدم قبولهم بما يريد هؤلاء
إجبارهم عليه بالقهر والجبروت، مما لا اساس له من عقل أو شرع، وإنما
يستند إلى محض ترهات وأباطيل. وعلى أساس هذه الأباطيل والترهات، تراهم
يعتبرون كل من خالفهم بالرأي، أو بالمذهب مشركاً حلال الدم، ويمكنهم
ممارسة شتى أنواع الظلم والاضطهاد، وحتى القتل ضده، دونما وازع أو
رادع.
وبالأمس القريب وفي سنة 1400هـ.ق قد هتكوا حرمة المسجد
الحرام، وقتلوا من قتلوا، وفعلوا الأفاعيل، في قضية اعتصام جهيمان
القيسي وصحبه، مع نسائهم وأطفالهم بالحرم المكي الشريف، وقد اقتحمت
الحرم الشريف فرقة فرنسية بقيادة الكابتن (بول باريل) بعد حصار دام
أسبوعين، وقتال دام أكثر من ثلاثة أسابيع([4]).
ثم ارتبكوا أخيراً جريمتهم النكراء، التي لم يجرأ على
ارتكاب مثلها في رحاب الحرم الشريف أعتى الطواغيت، وأشرّ السفاحين، عبر
العصور حين قتلوا بصورة فظيعة ومريعة المئات وجرحوا الألوف من المؤمنين
الذين لا ذنب لهم، إلا أن يقولوا: ربنا الله وحده، وإلا إنهم يرفعون
شعار البراءة من المشركين، ومن اعداء الله سبحانه، تأسياً منهم برسول
الإسلام الأعظم «صلى الله عليه وآله»، الذي أرسل مبعوثة إلى مكة، ليعلن
براءة الله ورسوله من المشركين، في قضية تبليغ سورة براءة المعروفة لدى
كل أحد.
فيتضح من مجموع ما تقدم:
أن أولئك الذين يبيحون لأنفسهم ارتكاب أقبح الجرائم وأفظعها، وأعظم
الموبقات وأبشعها، في حق المسلمين الأخيار، والأتقياء الأبرار، في
الشهر الحرام، وفي البلد الحرام إن هؤلاء
ـ
لا يملكون التقوى التي تؤهلهم لأن يتولوا بيت الله، وحرمه الآمن،
لاسيما وانهم أيضاً: لا يتورعون عن الصد عن سبيل الله وعن مقدساته،
ومهابط وحيه، ويصدون الناس عن المسجد الحرام، ويظلمون الناس فيه أسوأ
الظلم وأفحشه.
وقد أصدر الله سبحانه حكمه الصريح والقاطع في حق هؤلاء،
وفي حق كل من هو على شاكلتهم حينما قال:
﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَ يُعَذِّبَهُمُ
اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا
أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾([5])
صدق الله العلي العظيم.
([2])
راجع: كشف الإرتياب ص27.
([4])
راجع: مجلة الوحدة الإسلامية عدد2 صفر 1408هـ.ق ص10.
([5])
الآية 34 من سورة الأنفال.
|