الآية الثالثة

   

صفحة :   

الآية الثالثة:

قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾([1]).

فقد فهم كثير من العلماء، من هذه الآية تجوير الردّ بالمثل، حين الاعتداء، وإن لم يبين فيها حدود هذا الرد وشروطه، من كونه يجوز بما يحرم مطلقاً أم لا، كما سنبينه.

فقال الرازي: «يعني: إذا رغبتم في القصاص، فاقنعوا بالمثل، ولا تزيدوا»([2]).

وقال: «في هذه الآية أمر الله بأن يعاقبوا بمثل ما يصيبهم من العقوبة ولا يزيدوا»([3]) وقريب منه ما ذكره الطبرسي، وسيد قطب أيضاً([4]).

وقال العلامة الطباطبائي، بعد أن ذكر: أن ظاهر السياق، هو أن الخطاب للمسلمين: «إن أردتم مجازاة الكفار وعذابهم، فجازوهم على ما فعلوا بكم بمثل ما عذبوكم به، مجازاةً لكم على إيمانكم، وجهادكم في الله»([5]).

وقال الشوكاني: «قال ابن جرير: نزلت هذه الآية في من أصيب بظلامة: أن لا ينال من ظالمه، إذا تمكن، إلا مثل ظلامته، لا يتعداها إلى غيرها. وهذا صواب، لأن الآية، وإن قيل: إن لها سبباً خاصاً، كما سيأتي، فالاعتبار بعموم اللفظ، وعمومه يؤدي هذا المعنى الذي ذكره..» ([6]).

وقال الخازن: «المعنى: أن صنع بكم سوء من قتل أو مثلة ونحوها، فقابلوه بمثله، استيفاء للحقوق» إلى آخر كلامه، الذي يؤكد فيه على قضية المماثلة([7]).

هذا.. وقد رووا: أن النبي «صلى الله عليه وآله»، حينما رأى في واقعة أحد، ما صنع بحمزة، من التمثيل، توعد قريشاً بأنه إن ظفر بهم ليمثلن بسبعين رجلاً منهم فنزلت الآية. ولكنا قد أثبتنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي «صلى الله عليه وآله» عدم صحة هذه الرواية، وأن الأقرب هو: أن بعض أصحابه، قالوا: ذلك، فنزلت الآية في ردهم([8]).

ويلاحظ أخيراً.. أن هذه الآية والتي سبقتها، وإن كانت قد وردت في واقعة خاصة، فإنها قد قررت: أنه في مثل هذه الواقعة، التي يجوز فيها المبادرة للعقاب، فإنه يحق المقابلة بالمثل، إلا أنه بعد إلقاء العرف للخصوصية، فإنها تصبح قاعدة عامة، كما أشار إليه ذيل الآية أيضاً، أعني قوله: ولئن صبرتم لهو خير للصابرين.. وتقدم نقل الشوكاني ذلك عن ابن جرير، وأيده هو أيضاً..


 

([1]) الآيتان 126 و 127 من سورة النحل.

([2]) التفسير الكبير ج20 ص142و141 على الترتيب.

([3]) التفسير الكبير ج20 ص142و141 على الترتيب.

([4]) مجمع البيان ج6 ص363 وفي ظلال القرآن ج4 ص2202.

([5]) تفسير الميزان ج12 ص374.

([6]) فتح القدير ج3 ص203 وراجع: جامع البيان ج14 ص131 وغرائب القرآن للنيسابوري (بهامش جامع البيان) ج14 ص132.

([7]) لباب التأويل للخازن ج3 ص143 ومدارك التنزيل للنفسي، بهامش الصفحة نفسها.

([8]) ذكرنا بعض المصادر في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج4 ص300 ـ 307. ونزيد هنا: الجامع لأحكام القرآن ج10 ص141 وتفسير الميزان ج12 ص377 ولباب التأويل للخازن ج3 ص143 ومدارك التنزيل بهامش، الصفحة نفسها، وجامع البيان للطبري ج14 ص131 وغرائب القرآن (بهامش جامع الطبري) ج14 ص132 ومجمع البيان ج6 ص393 والتبيان ج6 ص440 وعن تفسير العياشي.

 
   
 
 

موقع الميزان