الآية الخامسة

   

صفحة :   

الآية الخامسة:

قوله تعالى، في وصف المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([1]).

فإن هذه الآيات، وإن كانت ظاهرة في موضوع الجنايات والقصاصات، إلا أنها قد جاءت على سبيل القاعدة، وكأنها كبرى كلية، كان مورد القصاص من مصاديقها! ولأجل ذلك، فلا مانع من استفادة العموم منها، كما فهمه غير واحد..

قال الشوكاني: «..فبين سبحانه: أن العدل في الانتصار، هو الاقتصار على المساواة، وظاهره العموم»([2]).

وذكر آخرون: أن هذه الآيات قد قررت: أن للمبغي عليه ان ينتصر من الباغي، بصورة عادلة، أي بقيد أن يكون بالمثل، «فإن النقصان حيف، والزيادة ظلم، والتساوي هو العدل، وبه قامت السماوات والأرض، فلهذا السبب قال: وجزاء سيئة سيئة مثلها..» ([3]).

وقال الرازي: «هذه الآيات أصل كبير في علم الفقه، فإن مقتضاها أن تقابل كل جناية بمثلها» ثم ذكر أن الإهدار يوجب التجري والإقدام، ثم قال: «.. وأما الزيادة على قدر الذنب، فهو ظلم، والشرع منزّه عنه، فلم يبق إلا أن يقابل بالمثل».

«ثم تأكد هذا النص بنصوص أخر، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾([4]).

وقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾([5]).

وقوله عز وجل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾([6]).

والقصاص عبارة عن المساواة والمماثلة.

وقوله تعالى: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾([7]).

وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾([8]). فهذه النصوص بأسرها تقتضي مقابلة الشيء بمثله»([9]).

وقال: قوله: ﴿جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾([10]) يقتضي وجوب رعاية المماثلة، مطلقاً في كل الأحوال، إلا فيما خصه الدليل([11]).

وبعد أن ذكر القرطبي قول ابن عباس بأن الآية ناظرة إلى التعامل مع المشركين قال: «وقيل: هو عام في بغي كل باغ، من كافر وغيره، أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه..»([12]).

وليراجع رد الجصاص وغيره على قول الحشوية بلزوم السكوت والهروب، في أوائل هذا البحث.

بل لقد قال الطوسي: «يمكن أن يستدل بذلك [أي بالآية الأخيرة المتقدمة] أي على من ظلمه غيره بأخذ ماله، كان له ـ إذا قدر ـ أن يأخذ من ماله بقدره، ولا إثم عليه..» ([13]).

فنراه قد عمّم الحكم لصورة الاعتداء في المال أيضاً. هذا.. وليراجع تفسير الآية في سائر كتب التفسير أيضاً..


 

([1]) الآيات 39 ـ 42 من سورة الشورى.

([2]) فتح القدير ج4 ص541.

([3]) راجع: تفسير الكبير للرازي ج27 ص178 وتفسير الميزان ج18 ص64 والجامع لأحكام القرآن ج16 ص40 والتبيان ج9 ص167.

([4]) الآية 126 من سورة النحل.

([5]) الآية 40 من سورة غافر.

([6]) الآية 178 من سورة البقرة.

([7]) الآية 45 من سورة المائدة.

([8]) الآية 179 من سورة المائدة.

([9]) التفسير الكبير ج27 ص178 و 179.

([10]) الآية 40 من سورة الشورى.

([11]) التفسير الكبير ج27 ص181 وراجع: تفسير جامع البيان ج25 ص24 ولباب التأويل للخازن ج4 ص98 و 99.

([12]) الجامع لأحكام القرآن ج16 ص39.

التفسير الكبير ج27 ص181 وراجع: تفسير جامع البيان ج25 ص24 ولباب التأويل للخازن ج4 ص98 و 99.

([13]) التبيان ج9 ص168.

 
   
 
 

موقع الميزان