الأمر الأول: الواحد الشخصي، أو المجموعي:
إن الآيات المتقدمة، حين قررت مبدأ المقابلة بالمثل، في
صورة حدوث أي اعتداء، فإن إطلاقها يقتضي تعميم ذلك لصورة ما لو كان
الاعتداء من شخص بعينه، فيقابل بالمثل، وبين ما لو كان من جماعة، كحزب،
أو جيش، أو طائفة من الناس، فكذلك أيضاً.
أضف إلى ذلك: أن مورد نزول تلك الآيات، في الأكثر، هو
المقابلة بالمثل للواحد المجموعي، كأهل مكة، حينما أخرجوا المسلمين من
ديارهم، وحينما هتكوا حرمة الشهر الحرام، وحينما مثلوا بشهداء أحد،
فتوعدهم المسلمون بالرد، فالآيات المتقدمة وبعض الروايات قد دلت على
المقابلة بالمثل في هذه الموارد، ونظائرها..
فتصح المقابلة بالمثل لهذا الواحد المجموعي، وإن كان
ذلك ينال الآخرين، غير الذين اعتدوا في بادئ الأمر، إذ تكفي المشاركة
في الاعتداء، والرضا العملي به للأفراد الداخلين في وحدة مجموعية..
أما من يكون في حوزة المعتدين، ولا يرضى بفعلهم، فلابد
من التحرز عن الإضرار به ما أمكن، إلا إذا توقف دفع شر المعتدي على
المقابلة بالمثل، فيجوز حينئذٍ بالمقدار الذي يحقق ذلك.
ومن شواهد ذلك عدا عن مورد نزول الآيات، ما سيأتي من
انتقام أمير المؤمنين «عليه السلام» من بعض المعتدين على جماعة أهل
العدل بالقتل أو التمثيل، سواء كانوا هم الذين باشروا الجريمة، أو
كانوا من المدافعين عنهم. بل لقد وجدنا أن المقابلة بالمثل تعمم في بعض
الموارد، لتشمل ما كان في حرب أخرى، يخوضها أهل العدل مع الجماعة
المعتدية، أو من هم منهم، أو على مثل رأيهم.
كما أن ما فعله أمير المؤمنين «عليه السلام» بالخوارج،
إنما كان بسبب ما فعلوه بعبد الله بن خباب، وغيره، حتى استأصل شأفتهم،
ولم يفلت منهم أحد إلا الشريد، مع العلم بأن المباشرين للجريمة، كانوا
أفراداً منهم، لكن تأييد الباقين لهم، ودفاعهم العلمي عنهم، ورضاهم
بفعلهم، حتى لقد أقروا جميعاً: أنهم كلهم قد ـ قتل ابن خباب([1])
ـ إن ذلك ـ يؤكد على أن الميزان والمعيار هو المشاركة في الاعتداء، أو
الرضا العملي به، ولا يفرق بين المشركين، وبين البغاة، كما هو معلوم..
ومن هنا فإننا نجد أمير المؤمنين علياً «عليه السلام»
يتهدد اللذين كانا يمدان أعداءه بالمال في حرب الجمل، بأن يجعل
أموالهما في سبيل الله([2]).
([1])
راجع: شرح النهج للمعتزلي الحنفي ج2 ص282 وقاموس الرجال ج5
ص436 و 437 ومناقب الإمام علي «عليه السلام» لابن المغازلي
ص413 و 414، وفي هامشه عن مصادر كثيرة. والفرق بين الفرق ص87.
([2])
كتاب: الجمل، للمفيد ص124.
|