تطبيق آية سورة الحجرات على حرب الجمل:
وبعد.. فقد قررت الآية الشريفة في سورة الحجرات، وجوب
قتال البغاة حتى يفيئوا إلى أمر الله سبحانه، قال تعالى:
﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ
إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى
تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ﴾([1]).
وقد طبقت الروايات هذه الآية الشريفة، على خصوص حرب
البصرة، أي حرب الجمل، فليراجع على سبيل المثال، ما نقل عن الإمام
الصادق «عليه السلام»، وعن عمار بن ياسر، رحمه الله تعالى([2]).
نعم.. هناك روايات أخرى قد جاءت مطلقة، أي أنها اكتفت
بذكر سيرة أمير المؤمنين «عليه السلام» فيمن حاربه، وسكتت عن تطبيق
الآية.
ولعل من الممكن أن نفهم من ذلك: أن حرب صفين والنهروان
كان أمرهما أعظم من حرب البصرة..
ولأجل ذلك نلاحظ: أن جهر أمير المؤمنين وأصحابه بكفر
أهل البصرة ـ أقل من جهرهم بكفر أهل صفين، والخوارج..
وقد تقدم بعض تصريحاتهم بذلك في صفين..
وبالنسبة لحرب الجمل، نجد قول أمير المؤمنين «عليه
السلام»:
«ما نزل تأويل هذه الآية إلا اليوم:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..﴾([3])»([4]).
ومثل ذلك روي عن عمار، وحذيفة، وابن عباس، وأضاف البعض
قوله: «وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد الله»([5]).
وعن علي «عليه السلام»، أنه قال يوم الجمل: «والله، ما
قوتل أهل هذه الآية إلا اليوم، يريد قوله تعالى:
﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ
مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا
أَئِمَّةَ الْكُفْرِ..﴾([6])»
([7]).
ولعل ذلك يرجع: إلى أن الشبهة كانت لدى أهل الجمل
موجودة بالنسبة للاتباع، بسبب وجود عائشة أم المؤمنين، وحتى بالنسبة
لبعض القادة أيضاً، فإن وجود الشبهة لهم ممكن ولو كانت بصورة ضعيفة،
فقد يكون الزبير قد زينت له نفسه: أنه في سوابقه ومواقفه في زمن النبي
«صلى الله عليه وآله»، لا يجب أن يكون لعلي، الذي كان من أترابه من حيث
السن، وإن كان يعرف أنه ـ يتفوق عليه وعلى غيره، بالعلم، والفضل،
والقرب، والقرابة، وغير ذلك ـ لا يجب ـ أن يكون لعلي «عليه السلام» ـ
حتى مع هذا التفوق، نفس الصلاحيات، التي كانت لرسول الله «صلى الله
عليه وآله».
ولا يجب أن يحرم هو ـ بزعمه ـ وأمثاله من هذا الأمر،
لاسيما بعد أن أشركهم عمر بالشورى المعروفة، وجعلهم يمدون أعناقهم إلى
هذا الأمر، ويتشوفون إليه.
نعم.. قد يكون الزبير قد زينت له نفسه هذا. ولكن
احتجاجات أمير المؤمنين عليه، وعلى كل مناوئيه قد قطعت كل عذر، ولم تبق
حيلة لمتطلب حيلة.. ـ ولعل من يلاحظ مواقف وكلمات أمير المؤمنين في حرب
الجمل، ولاسيما تحذيره لهم من سيف الأشتر، وجندب بن زهير، وكلامه مع
القتلى، وغير ذلك، يجد: أنه كان متألماً ومتأسفاً لما انتهى إليه أمرهم
بسبب سوء تقديرهم، وسوء اختيارهم، وصدودهم عنا لحق.
ولكننا نجد مواقفه «عليه السلام»، وكلماته في صفين،
أكثر تشدداً، وعنفاً، وصراحة.
وقد عرفنا كيف كان يجهر هو وأصحابه رضوان الله عليهم
بأن مناوئيه، قد أظهروا الإسلام، وأسرّوا الكفر، إلى أن وجدوا عليه
أعواناً.. كما أنه «عليه السلام» لا يعترف لمعاوية ولا لأصحابه بإيمان،
ولا بإسلام.. الأمر الذي يشير إلى أنه «عليه السلام» يرى: أن بغي هؤلاء
أعظم وأشد وأخطر، وأنه لا شبهة لهم، ولاسيما على مستوى القادة منهم،
حتى ولو كانت تافهة، وغير معقولة..
([1])
الآية 9 من سورة الحجرات.
([2])
الكافي ج5 ص11 و 12 و 33 والتهذيب ج6 ص137 و 155 والوسائل ج11
ص55 وراجع ص18 والبرهان ج4 ص207 وتفسير نور الثقلين ج5 ص85 عن
روضة الكافي.
([3])
الآية 54 من سورة المائدة.
([4])
وهذا يدل على عدم كون مانعي الزكاة في زمن أبي بكر، مرتدين،
فإطلاق اسم: حروب الردة، على تلك الحروب فيه مسامحة ظاهرة.
([5])
راجع: مجمع البيان ج3 ص208 وفقه القرآن ج1 ص370 والبرهان
للبحراني ج1 ص479 والجمل ص195.
([6])
الآية 12 من سورة التوبة.
([7])
كنز العرفان ج1 ص387 وراجع: دعائم الإسلام ج1 ص389 وجواهر
الكلام ج21 ص226 والمهذب (ضمن الينابيع الفقهية)، كتاب الجهاد
ص105.
|