لزوم قتال البغاة ولو بالسلاح

   

صفحة :   

لزوم قتال البغاة ولو بالسلاح:

أما بالنسبة لقتال البغاة ودفعهم البغاة ودفعهم بالسلاح، فلا ريب في وجوبه «بالنص والإجماع، وقد قال الله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾([1])..»([2]).

ودعوى الإجماع هذه تغنينا عن تتبع كلمات الفقهاء في هذا المجال..

وقال علي «عليه السلام» لذلك الشامي، الذي طلب منه التخلي عن الحرب في صفين، في جملة كلام له: «قد أهمني هذا الأمر، وأسهرني، وضربت أنفه وعينه، فلم أجد إلا القتال، أو الكفر بما أنزل الله عز وجل. أو يرضى من أوليائه أن يعصى في الأرض، وهم سكوت، مذعنون له؟ لا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في نار جهنم.» ([3]).

بل لقد قال النووي: «وقال معظم الصحابة والتابعين، وعامة علماء الإسلام: يجب نصر المحق في الفتن، والقيام معه بمقاتلة الباغين، قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾([4]).. وهذا هو الصحيح..» ([5]).

وقال الجصاص حول آية: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ﴾([6]) ـ قال ـ: «قد اقتضى ظاهر الآية الأمر بقتال الفئة الباغية، حتى ترجع إلى أمر الله، وهو عموم في سائر ضروب القتال، فإن فاءت إلى الحق بالقتال بالعصا والنعال، لم يتجاوز به إلى غيره، وإن لم تفيء بذلك قوتلت بالسيف على ما تضمنه ظاهر الآية، وغير جائز لأحدٍ الاقتصار على القتال بالعصا دون السلاح، مع الإقامة على البغي، وترك الرجوع إلى الحق. وذلك أحد ضروب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال النبي «صلى الله عليه وآله»: «من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذاك أضعف الإيمان»، فأمر بإزالة المنكر باليد، ولم يفرق بين السلاح وما دونه، فظاهره يقتضي وجوب إزالته بأي شيء أمكن..

وذهب قوم من الحشو إلى أن قتال أهل البغي إنما يكون بالعصا والنعال، وما دون السلاح، وأنهم لا يقاتلون بالسيف، واحتجوا بما روينا من سبب نزول الآية، وقتال القوم الذين تقاتلوا بالعصا والنعال.

وهذا لا دلالة فيه على ما ذكروا، لأن القوم تقاتلوا بما دون السلاح، فأمر الله تعالى بقتال الباغي منهما، ولم يخصص قتالنا إياه بما دون السلاح، وكذلك نقول: متى ظهر لنا قتال من فئة على وجه البغي، قابلناه بالسلاح وبما دونه حتى ترجع إلى الحق.

وليس في نزول الآية على حال قتال الباغي لنا بغير سلاح، ما يوجب أن يكون أن يكون الأمر بقتالنا إياهم مقصوراً على ما دون السلاح، مع اقتضاء عموم اللفظ، للقتال بسلاح وغيره.

ألا ترى أنه لو قال: من قاتلكم بالعصا فقاتلوه بالسلاح، لم يتناقض القول به؟ فكذلك أمره إيانا بقتالهم، إذ كان عمومه يقتضي القتال بسلاح وغيره، وجب أن يجرى على عمومه..

وأيضاً قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الفئة الباغية بالسيف، ومعه من كبراء الصحابة، وأهل بدر، من قد علم مكانهم، وكان محقاً في قتاله لهم، لم يخالف فيه احد، إلا الفئة الباغية التي قابلته وأتباعها»([7]).

وقال: «ولم يختلف أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» في وجوب قتال الفئة الباغية بالسيف، إذ لم يردعها غيره، ألا ترى: أنهم كلهم رأوا قتال الخوارج؟ ولو لم يروا قتال الخوارج، وقعدوا عنهم لقتلوهم، وسبوا ذراريهم، ونساءهم، واصطلموهم»([8]).

وقال: «.. فأمر بقتالهم إلى ان يرجعوا إلى الحق، فدل على أن التعزيز يجب إلى أن يعلم إقلاعه عنه، وتوبته، إذ كان التعزيز للزجر والردع، وليس له مقدار معلوم في العادة، كما أن قتال البغاة، لما كان للردع، وجب فعله إلى أن يرتدعوا وينزجروا»([9]).


 

([1]) الآية 9 من سورة الحجرات.

([2]) تذكرة الفقهاء ج1 ص452.

([3]) شرح النهج للمعتزلي ج2 ص 208. وراجع: ينابيع المودة للقندوزي ج2 ص8.

([4]) الآية 9 من سورة الحجرات.

([5]) شرح صحيح مسلم للنووي (بهامش القسطلاني) ج10 ص337.

([6]) الآية 9 من سورة الحجرات.

([7]) أحكام القرآن ج3 ص399 و 400.

([8]) أحكام القرآن ج3 ص400.

([9]) أحكام القرآن ج3 ص404.

 
   
 
 

موقع الميزان