وسائل الحرب ضد البغاة، وأساليبها:
وأما بالنسبة لأساليب قتال البغاة، ووسائله، فلعلها لا
تختلف كثيراً عنها بالنسبة إلى المشركين، إلا بالنسبة إلى ضربهم بما
يعم إتلافه، فقد حاول بعض العلماء التحرز منه، كما سنرى..
ولعل هذا الإطلاق يمكن استفادته من قول صاحب الرياض:
«وبالجملة: كيفية قتال البغاة، مثل قتال المشركين في جميع ما مرّ، بلا
خلاف يظهر فيه»([1]).
وقال ابن البراج: «..ويقاتل أهل البغي بكل ما يقاتل به
المشركون، وإذا انهزم عسكرهم، وكان لهم فئة، جاز اتباع مدبرهم، وأن
يجهز على جريحهم»([2]).
ومن الواضح: أن الهدف من قتال البغاة ليس هو استئصالهم
وقتلهم، بل هو دفع شرهم، وفلّ جمعهم([3])،
بل وإجبارهم على قبول أمر الله سبحانه، كما صرحت به الآية الشريفة في
سورة الحجرات:
﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ﴾([4]).
بل إن قتال المشركين قد كان بهدف إلى ذلك أيضاً فعن
الحسن: «أن رجلاً قال للنبي: يا نبي الله، ألا أحمل عليهم؟!
فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: لا، أتريد أن تقتلهم
كلهم؟ فكره ذلك الخ..»
([5]).
ولكن شرط أن يكون ذلك بعد التحذير اللازم، وإقامة
الحجة، وأن لا يكون بما هو حرام حرمة مطلقة، حسبما أوضحناه فيما سبق.
وقد وردت روايات تدل على ما ذكرناه، وهي، وإن كانت
ضعيفة السند، ولكنها ـ بالإضافة إلى حكم العقل، بلزوم الحفاظ على
الإسلام، وعلى جماعة أهل الحق، والعدل ـ كافية للدلالة على ذلك..
فمن هذه الروايات، ما ورد عن أمير المؤمنين «عليه
السلام»: «يقاتل أهل البغي ويقتلون، بكل ما يقتل به المشركون. ويستعان
عليهم بمن أمكن أن يستعان به عليهم، من أهل القبلة، ويؤسرون كما يؤسر
المشركون، إذا قدر عليهم..»
([6]).
وروي: أن الخوارج سألوا علياً «عليه السلام» عن سبب
قوله لهم في صفين:
«اقتلوهم مدبرين، ونياماً، وأيقاظاً، وجهزوا على كل
جريح، ومن ألقى سلاحه، فاقتلوه»؟!
فأجابهم «عليه السلام»، بأن سبب ذلك هو أن: «لهم دار
حرب، قائمة، ولهم إمام منتصب، يداوي جريحهم، ويعالج مريضهم، ويهب لهم
الكراع والسلاح»([7]).
وحسب نص آخر: إنه «عليه السلام» في صفين: «..قتل المقبل
والمدبر، وأجاز على الجريح»([8]).
ومقتضى ما تقدم، ولاسيما الرواية الأولى، هو جواز قتلهم
ـ كالمشركين ـ بكل وسيلة، حتى بالحيات والعقارب، وبإلقاء السم، وإن
استشكل به جمع من الفقهاء ـ وبالمنجنيق، وبغير ذلك ما يعم إتلافه،
وغيره.. مع الأمن من لحوق الضرر بغيرهم، إلا إذا توقف دفعهم عليه،
فيجوز حينئذٍ، حتى ولو أصيب غيرهم ممن لا يقاتل، وذلك بمقدار ما ترتفع
به الضرورة.
([1])
رياض المسائل ج1 ص482.
([2])
المهذب (ضمن الينابيع الفقهية)، كتاب الجهاد ص107.
([3])
راجع: منتهى الطلب ج2 ص984 و 988 وتذكرة الفقهاء ج1 ص454.
([4])
الآية 10 من سورة الحجرات.
([5])
كنز العمال ج4 ص298 عن ابن جرير.
([6])
دعائم الإسلام ج1 ص393 ومستدرك الوسائل ج2 ص254 وجامع أحاديث
الشيعة ج13 ص88.
([7])
جامع أحاديث الشيعة ج13 ص104 ومستدرك الوسائل ج2 ص253 عن
الحسين بن حمدان في الهداية، وقال: رواه القاضي النعمان في
كتاب شرح الأخبار، عن أحمد بن شعيب الساري، بإسناده عن ابن
عباس مثله، باختلاف يسير.
([8])
التهذيب ج6 ص156 والكافي ج5 ص33 والوسائل ج11 ص55 و 56 ورياض
المسائل ج1 ص482 ومنتهى المطلب ج2 ص987 وعن رجال الكشي ص142
وعن تحف العقول ص116. وراجع: دعائم الإسلام ج1 ص394.
|