ضرب البغاة بما يعم إتلافه:
ولكن الشيخ والعلامة رحمهما الله تعالى، قد منعا من رمي
البغاة بما يعم إتلافه، قال الشيخ قدس سره:
«..لا يسوغ للإمام العادل أن يقاتل أهل البغي بالنار،
ولا أن ينصب عليهم المنجنيق، لأنه إنما له أن يقاتل من اهل البغي من
يقاتله منهم، دون من لا يقاتله، فلو حرقهم بالنار، ورماهم بحجر
المنجنيق، لم يؤمن أن يقتل من لا يحل قتله، وإن اضطر إلى ذلك ساغ ذلك
له إلخ..»
([1]).
وقال العلامة رحمه الله تعالى: «إذا لم يمكن دفع البغاة
إلا بالقتل وجب، ولا يقاتلون بما يعم إتلافه، كالنار والمنجنيق، لأن
القصد بقتالهم فلّ جمعهم، ورجوعهم إلى الطاعة، والنار تهلكهم، وتقع على
المقاتل وغيره، ولا يجوز قتل من لا يقاتل»، ثم ذكر جواز ذلك في صورة
الضرورة، وخوف أهل العدل من الاصطلام..([2]).
وقال: «لا يقاتل أهل البغي بما يعم إتلافه، كالنار،
والمنجنيق، والتغريق، إلا مع الضرورة»([3]).
ونقول:
إن كان الملاك في المنع عن ضربهم بما يعم إتلافه هو: أن
ذلك ينال غير المقاتلين، ولا يحل قتل من لا يقاتل.. فإن ذلك يتعارض مع
الرواية المتقدمة عن أمير المؤمنين «عليه السلام»، التي قررت أنهم
يقاتلون بما يقاتل به المشركون، وقد تقدم ضرب النبي «صلى
الله عليه وآله»
للمشركين بالمنجنيق في حرب الطائف.. وتقدمت الرواية. وأن ذلك جائز،
ولاسيما إذا توقف دفعهم عليه حتى ولو تترسوا بالمسلمين، ولا يمسك عنهم
لأجل ذلك. وأنه لو أصيب أحد من المسلمين، والحالة هذه، فلا دية له.
كما أنه يمكن تحاشي هذه السلبية بتقديم الإنذار لهم،
بالابتعاد عن مواطن الخطر، والضرر عبر وسائل الإعلام المتوفرة،
والقادرة على إيصال هذه الإنذارات إلى كل أحد..
كما أن مقتضى هذا التعليل هو جواز ضربهم بما يعم
إتلافه، حيث لا يصل ذلك إلى غير المقاتلين، كما هو الحال في جبهات
الحرب في هذه الأيام..
وإن كان الملاك في المنع عن ذلك هو: أن القصد بقتالهم
هو فلّ جمعهم، وإرجاعهم إلى الطاعة، فإن ذلك إنما هو بالنسبة لمن ليس
لهم فئة يرجعون إليها، أما من كان لهم فئة، فإنه يقتل مقاتلتهم، ويتبع
مدبرهم، ويجهز على جريحهم، كما هو مذكور في كتب الحديث والفتوى.
هذا.. وقد قال العلامة: «قال أبو حنيفة: أهل الحصن
الخوارج، واحتاج([4])
الإمام إلى رميهم بالمنجنيق، فعل ذلك بهم، ما كان لهم عسكر، وما لم
يهزموا، وهو حسن»([5]).
([1])
المبسوط للسيوطي ج7 ص275.
([2])
تذكرة الفقهاء ج1 ص455 ومنتهى المطلب ج2 ص986.
([3])
تحرير الأحكام ج1 ص156 ومنتهى المطلب ج2 ص986.
([4])
الظاهر أن الصحيح: لو احتاج.
([5])
منتهى المطلب ج2 ص986.
|