المقابلة بالمثل مع البغاة

   

صفحة :   

المقابلة بالمثل مع البغاة:

وقد تقدم حكم العقل، وقضاء الفطرة بالنسبة لمقابلة المعتدي بالمثل، ولاسيما إذا توقف ردعه على ذلك، ثم جاءت الآيات والروايات، لتؤكد حكم العقل هذا، وتعطي قاعدة عامة في هذا المجال، تشمل المعتدي المشرك وغيره..

وقال الشيخ حول جواز ضرب البغاة بالنار والمنجنيق: «.. وإن اضطر إلى ذلك ساغ ذلك، وإنما يضطر إليه في موضعين: أحدهما: على سبيل المقاتلة، وهو أن يقاتلوه بذلك، فيقاتلهم به على سبيل الدفع عن نفسه. والثاني: أن يحاصروه من كل جانب، فلا يمكنه دفع أحد منهم إلا بهذه الآلة، فحينئذٍ يقاتلهم به، ليجعل لنفسه طريقاً، يخرج به من وسطهم»([1]).

وقال العلامة حول رمي البغاة بما يعم إتلافه: «.. ولو احتاج أهل العدل إلى ذلك، واضطروا إليه، بأن يكون قد أحاط بهم البغاة، من كل جانب، وخافوا اصطلامهم، ولا يمكنهم التخلص إلا برمي النار، جاز. وكذا.. إن رماهم أهل البغي بالنار، أو المنجنيق، جاز لأهل العدل رميهم به»([2]).

فيلاحظ: ان الشيع والعلامة قد أفتيا بجواز ضربهم بالمنجنيق والنار، إذ هم فعلوا ذلك، مقابلة لهم بالمثل مع أن ذلك قد يصيب غير المحاربين، حتى النساء والصبيان.. لأنه لا يتعمدهم ذلك.. ولعل العلامة والشيخ يقيدان ذلك بصورة توقف النصر عليه، أو كون ذلك مؤثراً في ردع المعتدي عن عدوانه، كما يشير إليه كلام الشيخ المتقدم.

وما ذكر فإنما هو بالنسبة لحرمة من لا يشركون في القتال، قال العلامة: «لو كان مع أهل البغي من لا يقاتل، ففي جواز قتله إشكال»([3]).

ولعل نظره إلى صورة عدم مشاركتهم بالفعل في القتال، وإن كانوا معهم، وفي صفوفهم. أما من هم مثل الأطفال والنساء، ومن لم يحضروا المعركة، فلا يجوز قتلهم جزماً، إلا في صورة رميهم بالمنجنيق، مقابلة بالمثل، أو في صورة الاضطرار، أو توقف النصر على ذلك، فإنهم لم يصيبوا ـ والحالة هذه ـ مع عدم القصد إليهم، فلا تبعة في ذلك حسبما تقدم.. ولكن:

«لو استعان أهل البغي بنسائهم، وصبيانهم، وعبيدهم في القتل، وقاتلوا معهم أهل العدل، وقوتلوا مع الرجال، وإن أبا([4]) القتل عليهم، لأن العادل يقصد بقتاله الدفع عن نفسه، وماله..»([5]).

وفي الجواهر في صورة تترسهم بنسائهم وأطفالهم ونحوهم ولم يكن التوصل إليهم إلا بقتلهم قتلوا، كما سمعته في المشركين، ترجيحاً لما دل على قتالهم عن حرمة قتل النساء والأطفال، كما أنهم كذلك لو قاتلوا معهم([6]).

ولسنا هنا في صدد تتبع كلمات الفقهاء في هذا المجال، فمن أراد المزيد فليراجع إليها، في بحث الجهاد في كتب الفقه..


 

([1]) المبسوط للطوسي ج7 ص275.

([2]) تذكرة الفقهاء ج1 ص455 ومنتهى المطلب ج2 ص986.

([3]) تحرير الأحكام ج1 ص156.

([4]) الصحيح: أتى، كما في تحرير الأحكام، والتذكرة.

([5]) منتهى المطلب ج2 ص985 وتحرير الأحكام ج1 155 وتذكرة الفقهاء ج1 ص455 والمبسوط للشيخ الطوسي ج7 ص27.

([6]) راجع: جواهر الكلام ج21 ص342.

 
   
 
 

موقع الميزان