روايات تعمم الآيات للبغاة

   

صفحة :   

روايات تعمم الآيات للبغاة:

قد تقَّدمت رواة الطبرسي عن أبي جعفر في تفسير آية لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، حيث قرر «عليه السلام» جواز الانتصار للمظلوم ممن ظلمه بما يجوز في الدين.. كما أن لدينا بعض الروايات التي تدل على شمولية الآيات المذكورة لغير المشركين، كأهل الكتاب، والبغاة، فمن ذلك:

1ـ ما جرى في صفين، حينما خرج كريب بن الصباح، فطلب البراز، فخرج إليه رجل من أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقتله كريب، ثم طلب البراز، فبرز إليه آخر، فقتله، ثم طلب البراز، فبرز إليه ثالث فقتله، ثم رابع فكذلك، ثم رمى جثثهم بعضها فوق بعض.

فخرج إليه أمير المؤمنين «عليه السلام» فقتله، ثم طلب البراز، فبرز إليه شامي آخر، فقتله، وهكذا.. حتى قتل أربعة، ثم رمى بأجسادهم، بعضهم على بعض، وهو يقول:

«الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم، فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم الخ..»([1]).

ويلاحظ هنا: أنه «عليه السلام» يعتبر قتل أربعة آخرين من أهل الشام قصاصاً لما فعله كريب، ومصداقاً لرد الاعتدا بمثله، وعملاً بمضمون الآية العام..

2ـ وحين بارز العباس بن ربيعة، غرار بن الأدهم، وقتله ثم خرج رجلان من أهل الشام، وطلبا مبارزة العباس، لبس علي «عليه السلام» لباس العباس، وخرج إليهما، فقتلهما، ثم جال في ميدان الحرب، وهو يقول:

الشهر الحرام، بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم([2]).

3ـ محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، قال:

سألت أبا عبد الله «عليه السلام» عن رجل قتل رجلاً في الحل، ثم دخل الحرم، فقال: لا يقتل ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يبايع ولا يؤوى، حتى يخرج من الحرم، فيقام عليه الحد..

فقلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم، أو سرق؟!..

قال: يقام عليه الحد في الحرام صاغراً، إنه لم ير للحرم حرمة، وقد قال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾([3]).

فقال: هذا هو في الحرام؟!

فقال: لا عدوان إلا على الظالمين([4]).

4ـ كما أن الإمام «عليه السلام» قد استدل بعموم التعليل، لشمول آية: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾([5]) لغير المشركين أيضاً، فاعتبر الروم بمنزلة المشركين، لأنهم لم يعرفوا للشهر الحرام حرمة. وعبر السيد صاحب الرياض عن هذا الخبر بـ «النص المنجبر بالعمل»([6])، والنص هو:

عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن العلا بن الفضيل، قال: سألته عن المشركين، أيبدؤهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟!

فقال: إذا كان المشركون يبتدؤونهم باستحلاله، ثم رأى المسلمون، إنهم يظهرون عليهم فيه، وذلك قول الله عز وجل: الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص.

زاد في رواية الشيخ قوله «عليه السلام»: والروم في هذا بمنزلة المشركين، لأنهم لم يعرفوا للشهر الحرام حرمة، ولاحقاً: فهم يبدأون بالقتال فيه، وكان المشركون يرون له حقاً وحرمة، فاستحلوه، واستحل منهم، وأهل البغي يبتدأون بالقتال([7]).

وبعموم التعليل، وهو أن يكون ممن لا يعرف للشهر الحرام حرمة، ولاحقاً، أو ممن يستحلون حرمته مع اعتقادهم بها نعمم الآية للبغاة، فتشمل كل من استحل حرمة الشهر الحرام، بل وحتى غيره من الحرمات أيضاً، كما هو ظاهر..

هذا كله.. عدا عن الروايات التي تشير إلى هذا المبدأ، أو تدل عليه، وقد ذكرناها في ما تقدم حين الكلام على الآيات، فليراجع من أراد.


 

([1]) الفتوح لابن أعثم ج3 ص186 و 187 وذخائر العقبى ص98 و 99 عن الواقدي، وصفين للمنقري ص315 و 316.

([2]) الفتوح لابن أعثم ج3 ص242.

([3]) الآية 194 من سورة البقرة.

([4]) الكافي ج4 ص228 وتفسير البرهان ج1 ص192 وتفسير نور الثقلين ج1 ص149 وتفسير الميزان ج2 ص73.

([5]) الآية 194 من سورة البقرة.

([6]) الرياض ج1 ص490.

([7]) راجع: التهذيب ج6 ص142 والجواهر ج21 ص32 و 33 وراجع: البحار ج97 ص53 وتفسير البرهان ج1 ص191و192 وتفسير العياشي ج1 ص86 و 87 ونور الثقلين ج1 ص150 ومستدرك الوسائل ج2 ص250 وأقصى البيان ج1 ص424 وتفسير الميزان ج2 ص72، وعن تفسير الصافي ج1 ص173. والوسائل ج11 ص52.

 

   
 
 

موقع الميزان