خيال زائف

   

صفحة :   

خيال زائف:

هذا.. وقد يحلو للبعض أن يتخيل: أن المقابلة بالمثل مع البغاة، وضرب مدنهم التي يسيطرون عليها، حيث لا يمكن دفعهم إلا بذلك.. يكون من قبيل ما لو دار الأمر ـ بين أن يقتل العدو عشرة أحدهم زيد مثلاً، أو أن نسلم زيداً للعدو ليقتله وحده ـ، أو نقتل نحن زيداً، ونلقي إليهم. بجثته.. ولا ريب في عدم صحة ذلك، وعليه فضرب المدن التي يحكمها البغاة وقتل من لا يقاتل فيها وهو معصوم الدم أيضاً، من أجل دفع شر العدو وحتى لا يقتل أضعاف ذلك منا، يكون من هذا القبيل.

كما أن هذا البعض يقول: أن التزاحم إذا كان بين الاحتفاظ بالسلطة وبين قتل المسلمين الذين يعيشون مع البغاة، فلا ريب في أن حفظ دماء المسلمين مقدم على ذلك.

ولكنه ـ كما ترى ـ كلام غير سليم..

فأولاً: إن التزاحم ليس بين الاحتفاظ بالسلطة، وبين قتل المسلمين، بل والقضية هي قضية الدفاع عن النفس ضد المعتدي، وهو واجب بحكم العقل والشرع. وليس تترس هذا العدو بالمسلمين، إلا من أجل أنه يريد بذلك أن يسلب منا القدرة على الدفاع. وقد قدمنا: أن حرمة قتل المسلم ليست مطلقة، وإنما هي في صورة عدم التترس به من قبل العدو، حيث يتوقف دفع العدو، وإحراز النصر عليه، على ذلك..

وثانياً: من الذي يستطيع القطع بإصابة غير البغاة وأعوانهم والمدافعين عنهم حين ضرب المدن التي يتواجدون فيها، فإن ذلك لا يزيد عن أن يكون احتمالاً، أو ظناً..

وبعد التحذير والإنذار، وطلب الابتعاد عن مواطن الخطر، لا يبقى محذور في ذلك، ولاسيما مع توقف دفع العدو، وحفظ كيان الإسلام والمسلمين عليه..

ومع إجبار العدو للناس على لزوم أماكنهم، والتواجد في مواطن الخطر، فإنه يكون من قبيل تترس المشرك بالمسلم، الذي تقدم حكمه..

وثالثاً: إنه بعد قيام النظام الإسلامي وثباته، فإن أية فئة تريد إسقاط هذا النظام، ومواجهته بالحرب، لابد من ردعها، والوقوف في وجهها، كما صنعه أمير المؤمنين «عليه السلام».. إلا أن يكون ذلك موجباً لتدمير المسلمين وإبادتهم، ولحوق الضرر بالإسلام نفسه.

ورابعاً: قد عرفنا فيما سبق: أن الكلام هنا ليس في الواحد الشخصي، والعدو لا يندفع بما ذكر، فلا يقاس بدفع زيد إليهم ليقتلوه.. وإنما هو في الواحد المجموعي، الذي يتناول كل من يمد يد العون للعدو، ويشد من أزره، ويقوى من سلطانه من أجل أن لا يكون إسلام ولا دين. ولو لم يكن مشتركاً بالقتال فعلاً، فلا يصح قياسه على الواحد الشخصي..

كما ان الضرر الذي يلحق بالمسلمين وبالإسلام بسبب عدم مواجهة عدوهم أعظم بكثير من الضرر الذي يلحق بهم، لو أنهم واجهوه بالحرب، ودافعوا عن حقهم وعن دينهم وإسلامهم.. وإلا لبطلت فلسفة الجهاد، وانتفى من الأساس، وذلك خلاف ما علم ضرورة من الدين.. وقد تقدمت في أوائل هذا البحث عبارة الجصاص في هذا المجال.

هذا كله.. عدا عما قدمناه، من لزوم الهجرة من بلاد العدو، وحيث لا يمكن إقامة شعائر الدين، ولا يفرق في ذلك بين ما لو كان العدو من البغاة، أو من غيرهم..

 
   
 
 

موقع الميزان