مكانة الزهراء
عند الأنصار، وعند مهاجميها:
يدعي البعض:
إن هؤلاء الجماعة الذين هاجموا بيت الزهراء «عليها
السلام» كانوا
/ صفحة 221 /
يحبونها، ويحترمونها، بل إن الذين جاء بهم عمر كانت
قلوبهم مملؤة بحبها، فكيف نتصور أن يهجموا عليها؟!
ثم يستدل على ذلك:
بأن علياً «عليه السلام» ـ كما في البحار وكثير من
المصادر الأخرى ـ كان يدور بالزهراء «عليها السلام» على بيوت المهاجرين
والأنصار لتدافع عن حقه، فهي إذن تريد أن تستفيد من موقعها واحترامها
لكسب نصرتهم، فيكف يجرؤ أحد على مهاجمتها؟!
والظاهر:
أن هذا الكلام مأخوذ من الفضل بن روزبهان، الذي يرد به على العلامة
الحلي، بقوله: «إن أمراء الأنصار وأكابر الصحابة كانوا مسلمين منقادين
محبين لرسول الله، أتراهم سكتوا ولم يكلموا أبا بكر في هذا؟ وأن إحراق
أهل بيت النبي «صلى الله عليه وآله» لا يجوز ولا يحسن؟(1)».
والجواب:
أولا:
هناك فرقاء ثلاثة، كانوا في المدينة.
1 ـ
فريق لا يمنعه شيء لا الدين والأخلاق، ولا المشاعر والأحاسيس الإنسانية
من مواجهة أهل البيت «عليهم السلام» بالأذى، ولو بإحراق بيوتهم،
وإحراقهم مع بيوتهم وكل من يلوذ بهم.
2 ـ
فريق آخر يكن شيئاً من الحب والتقدير لذلك الفريق المظلوم الذي يواجه
هذه المصائب الكبيرة، ولكنه يحب السلامة، وليس مستعداً للتضحية بشيء من
أجله وفي سبيله، بل حتى من أجل
ــــــــــــــــــــ
(1)
راجع: إبطال نهج الباطل (مطبوع ضمن دلائل الصدق): ج3 قسم 1 ص47. (*)
/ صفحة 222 /
الحق والدين الذي يدعوهم إليه.
ولا تفيد هذه العوامل مجتمعة ـ الحب، الاحترام، الدين،
المظلومية، الإنسانية، ـ في تحريكه ليتخذ موقفا حاسما تجاه الفريق
المهاجم، بهدف إجبار علي «عليه السلام» على البيعة له، وقد حاول علي
والزهراء «عليهما السلام» استنهاض، وتحريك هذا الفريق بالذات، فلم
يمكنهم ذلك.. فضاعت بذلك وصية رسول الله «صلى الله عليه وآله».
3 ـ
فريق ثالث كان يقف إلى جانب الزهراء «عليها السلام»، وهو على استعداد
للتضحية بكل غال ونفيس في سبيل إحقاق الحق، وإبطال الباطل، حيث يجدي
الإقدام والمبادرة، وهؤلاء كانوا قلة، كأبي ذر، وسلمان، والمقداد،
وعمار..
وبهذا فقد أصبح واضحا:
أن ليس ثمة ما يدل على أن المهاجمين كانوا هم الفريق الذي يحب الزهراء
«عليها السلام»، دون الفريق الثالث، أو الثاني، بل إنا نرى في فعلهم،
وهجومهم، وممارساتهم دلالة ظاهرة على أنهم هم الفريق الذي لا يحترمها،
بل ويبغضها، ولا يتورع عن مباشرة إحراقها مع كل من يلوذ بها، وقد
تسببوا بذلك بالفعل حين ضربوها، وأسقطوا جنينها، فاستشهدت بعدها بسبب
من ذلك، وإن كانوا يحاولون عدم الجهر بهذا البغض في سائر أحوالهم،
سياسة منهم، ومداراة للناس، لكي لا يتسبب ذلك في المزيد من ميلهم إلى
آل علي «عليه السلام»، واقتناعهم بمظلوميته وأهل بيته، وبأحقية نهجهم.
وخلاصة الأمر:
إنه لا معنى للاستدلال على مكانة الزهراء «عليها
السلام» واحترامها لدى الفريق الثاني الذي كان يحب السلامة، ولا يريد
أن يدخل حلبة
/ صفحة 223 /
الصراع، بأن للزهراء، مكانة واحتراما في نفوس الفريق
المهاجم، الذي لم يتورع عن مهاجمة الزهراء «عليها السلام»، ومواجهتها
بالسوء والأذى.
ثانيا:
لو كان المهاجمون يحبون الزهراء «عليها السلام» ويقدرونها لم يكن ثمة
حاجة لأن يدور بها علي «عليه السلام» على بيوت المهاجرين والأنصار
للظفر بنصرتهم، ولإقناعهم بالدفاع عن حقه «عليه السلام»، بل كان يكفي
أن تواجه «عليها السلام» المهاجمين أنفسهم، وتستخدم نفوذها لديهم،
ومكانتها في نفوسهم ليتراجعوا، أو ليرجعوا من جاء بهم خائبا غير قادر
على تحقيق أي مكسب، يخالف رغبة الزهراء «عليها السلام»، أو يسخطها.
وعدا عن ذلك، فإنهم إذا كانوا جميعا يحبون الزهراء
«عليها السلام» فهل تستنصر بباقي الأنصار لكي يهاجموا محبيها
ويقاتلوهم؟!
وهل يمكن للزهراء «عليها السلام» أن تتسبب بالعداء بين
محبيها، وضرب بعضهم ببعض، ثم تقف هي لتتفرج على الفريقين راضية مسرورة
بذلك؟!
ثالثا:
إذا كان هؤلاء الناس يحبون الزهراء «عليها السلام»، فلماذا ماتت وهي
مهاجرة لهم ولمن جاء بهم؟! ثم أوصت أن لا يحضر الشيخان ولا أحد ممن
ظلمها جنازتها؟ ودفنت ـ من أجل ذلك ـ ليلا. وبسبب ذلك خفي قبرها على
الناس كلهم(1)، وهي البنت الوحيدة
لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهي سيدة نساء العالمين من الأولين
والآخرين؟!.
فكيف تقابل حبهم بالجفاء، ويأمرهم الله سبحانه وتعالى
بحبها
ــــــــــــــــــــ
(1)
ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله تحت عنوان: هل رضيت الزهراء على
الشيخين؟!. (*)
/ صفحة 224 /
وإرضائها «عليها السلام» وهي تجافيهم وتسخط عليهم!!
|