من الذي قال لعمر: إن فيها فاطمة؟!:
هناك من يقول:
إن الذين اعترضوا على عمر، حين هدد بإحراق بيت الزهراء «عليها السلام»
هم نفس الذين جاؤا معه ليهاجموا البيت، فقالوا له: إن فيها فاطمة!!
فقال: وإن.
واعتراضهم هذا يدل على أن للزهراء محبة في نفوسهم، وعلى
أنهم يحترمونها ويجلونها، لأن معناه: أن بنت رسول الله «صلى الله عليه
وآله» في البيت، فكيف ندخل عليها ونروعها ونخوفها.
بل تقدم إن هذا البعض يقول: إن
المهاجمين الذين جاء بهم عمر كانت نفوسهم مملؤة بحب
الزهراء
«عليها السلام»،
فكيف يمكن أن نتصور أن يهجموا عليها؟!
وقبل الجواب ننبه على أمرين ذكرهما هذا البعض:
أحدهما:
إن المعترضين على عمر هم نفس الذين جاء بهم ليهاجم بهم
أهل بيت الوحي «عليهم السلام».
الثاني:
إن اعتراضهم يدل على مكانة الزهراء «عليها السلام» في نفوسهم.
ونحن نجيب على كلا هذين الأمرين، فنقول:
أولا:
من الذي قال:
إن الذين اعترضوا على عمرهم نفس المهاجمين؟! وما الدليل على ذلك؟! فقد
كان بيت فاطمة «عليها السلام» في المسجد النبوي نفسه، وكان الناس
يترددون على المسجد ويتواجدون فيه في معظم الأوقات، وحين هاجموا بيت
الزهراء «عليها السلام»
/ صفحة 225 /
«اجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال»(1)
فلماذا لا يكون المعترض على المهاجمين هو بعض هؤلاء المجتمعين لمراقبة
ما يجري، أو بعض المؤمنين الطيبين الحاضرين في مسجد النبي «صلى الله
عليه وآله»، فإن ذلك هو الأنسب بظاهر الحال، حيث إن ظاهر حال المهاجمين
هو أنهم لا يقيمون وزنا للبيت، ولا لمن فيه، ولا للمسجد، ولا لقبر رسول
الله «صلى الله عليه وآله» الذي كان أيضاً في بيت الزهراء «عليها
السلام».
ثانيا:
لو سلمنا:
أن بعض المهاجمين قد قال ذلك، ولكن من الواضح أن ذلك لا يدل على أنهم
يحترمون الزهراء «عليها السلام» ويجلونها، بل قد يكون هذا الاعتراض
مبعثه الخوف من عواقب الإقدام على أمر خطير كهذا.. فإنه إذا كان الناس
يقبلون منهم الاعتداء على علي «عليه السلام» باعتبار أنه هو القطب
الحساس المواجه لهم، ولأطماعهم في السلطان، وإذا كانوا يعذرونهم لكون
علي «عليه السلام» قد قتل آباءهم وأبناءهم وإخوانهم في سبيل الله، فإن
الزهراء «عليها السلام» ليس لها هذه الصفة، فالاعتداء عليها بالاحراق،
وهي البنت الوحيدة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، والمعروفة في
العالم الإسلامي كله لن يمكن تبريره أمام الناس، وقد يقلب الأمور ضدهم،
لو ظهر أن الزهراء قتلت نتيجة لذلك.
ثالثا:
لقد اعتدى المهاجمون على الزهراء «عليها السلام» بالضرب وغيره إلى درجة
إسقاط جنينها، ولم يعترض أحد من المهاجمين ولا من غيرهم على من فعل
ذلك، وإذا كانوا يخافون من عمر فهل يخافون من قنفذ، أو من المغيرة بن
شعبة، أو من أمثالهما؟!.
رابعا:
إذا كان المهاجمون يحترمون الزهراء «عليها السلام» إلى هذا الحد، فإن
سبب تصديها لهم، وجلوس علي «عليه السلام» وبني هاشم في البيت
ــــــــــــــــــــ
(1)
شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج6 ص50. (*)
/ صفحة 226 /
يصبح واضحا، لأن تصديها والحال هذه سيمنع من وصول
المهاجمين إلى علي «عليه السلام»، واعتقاله، على حد تعبير المستدل،
وبحسب معاييره!!
وبذلك يعرف سبب إقدامها على فتح الباب بنفسها، دون علي
«عليه السلام» أو غيره ممن كان حاضرا.
وليت هذا كان نافعا في ردعهم عن كسر الباب واقتحام
البيت!! وإن كان له بالغ الأثر في تحصين الحق وحفظه عن الضياع، وإظهار
زعماء الانقلاب على حقيقتهم.
خامسا:
إن تاريخ وسياسة الذين جاء بهم عمر للهجوم على بيت
الزهراء «عليها السلام» لا تدل على أنهم كانوا يحبونها «عليها السلام»،
إن لم نجد إن ثمة ما يدل على عكس ذلك. فقد ذكر لنا التاريخ أسماء عدد
من المهاجمين، مثل:
أبي بكر، عمر، قنفذ، أبي عبيدة بن الجراح، سالم مولى
أبي حذيفة، المغيرة بن شعبة، خالد بن الوليد، عثمان، أسيد بن حضير،
معاذ بن جبل، وعبد الرحمان بن عوف، وعبد الرحمان بن أبي بكر، ومحمد بن
مسلمة، ـ وهو الذي كسر سيف الزبير ـ وزيد بن أسلم، وعياش بن ربيعة،
وغيرهم(1). ممن سيأتي ذكرهم في قسم
النصوص.
ــــــــــــــــــــ
(1)
كنز العمال: ج5 ص597، ومستدرك الحاكم: ج3 ص66. وقال: صحيح على شرط
الشيخين، وأقره الذهبي: وحياة الصحابة: ج2 ص18 والشافي لابن حمزة ج4
ص171 و 173، والإختصاص: ص186 وتفسير العياشي: ج2 ص66 و 67. والرياض
النضرة: المجلد الثاني ص241. وستأتي النصوص الكثيرة في قسم النصوص،
التي تفصح عن المشاركين في الهجوم، وهناك تجد مصادرها بصورة أتم وأوفى
إن شاء الله تعالى. (*)
/ صفحة 227 /
|