لا داعي لمهاجمة الزهراء
وعلي
موجود:
ويقول البعض:
سلمنا أنهم دخلوا البيت، فلماذا يهاجمون خصوص الزهراء،
ويضربونها، ويتركون عليا؟ فإن المفروض هو أن يهاجموه هو في غرفته، التي
يجلس فيها مع بني هاشم، فإن البيت ليس عشرة كيلو مترات، بل هو عشرة
أمتار فقط.
والجواب:
أولا:
قد ذكرنا فيما سبق، أن: هذا البعض يقول: إن جميع بني
هاشم كانوا مع علي في داخل البيت، فكيف وسعتهم غرفة صغيرة بمقدار عشرة
أمتار يا ترى؟!
ثانيا:
إنهم إنما دخلوا البيت بعد أن فرغوا من مهاجمة الزهراء
عند الباب، ولم تعد قادرة على التصدي لهم ومنعهم.
ثالثا:
كأن هذا البعض يرى أن بيت الزهراء كان مؤلفا من غرف
متعددة، أو من دار وغرفة على الأقل.. فكيف أثبت ذلك، وما هي النصوص
التي اعتمد عليها؟
رابعا:
إن مهاجمتهم لها «عليها السلام» ليس لأجل أنهم كانوا
يقصدونها لذاتها، بل هاجموها لأنها منعتهم من الوصول إلى علي، وحالت
بينهم وبينه، وقد صرحت النصوص بذلك، وبأنها حاولت منعهم من فتح الباب،
أو تلقتهم على الباب.
ونحن نشير هنا إلى نموذج من كلا الطائفتين:
فمن النصوص التي صرحت بأنها حالت بينهم وبين علي
«عليه السلام»،
نذكر:
1 ـ
قال الفيض الكاشاني: «فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها، وقالت: والله لا
أدعكم تجرون ابن عمي ظلما(1)».
2 ـ
وروى المجلسي عن علي «عليه السلام»: «فلما أخرجوه حالت فاطمة «عليها
السلام» بين زوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على
عضدها، فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها، ودفعها فكسر ضلعا
من جنبها، وألقت جنينا من بطنها»(2).
3 ـ
عن علي «عليه السلام»: إن سبب إعفاء قنفذ من إغرام عمر له، أنه هو الذي
ضرب فاطمة بالسوط حين جاءت لتحول بينه «عليه السلام» وبينهم، فماتت
«صلوات الله عليها» وإن أثر السوط في عضدها مثل الدملج
(3).
ومن النصوص التي صرحت بأنها حاولت منعهم من فتح الباب،
نذكر:
1 ـ
ما رواه البلاذري وغيره من أن عمر جاء ومعه قبس، فتلقته فاطمة على
الباب، فقالت: يا ابن الخطاب، أتراك محرقا علي بابي؟!
قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك
(4).
ــــــــــــــــــــ
(1)
علم اليقين في أصول الدين: ص686 و 687 ـ الفصل العشرون.
(2)
الاحتجاج: ج1 ص212، وفاطمة بهجة قلب المصطفى: ص529، عن مرآة العقول: ج5
ص320.
(3)
كتاب سليم بن قيس: ص134.
(4)
راجع: المصادر التالية: البحار: ج28 ص389، و 411 وهامش ص268، وأنساب
الأشراف: ج1 ص586، والشافي للسيد المرتضى: ج3 ص241، والعقد الفريد: ج4
ص259 و 260، وكنز العمال: ج3 ص149، والرياض النضرة: ج1 ص167، والطرائف:
ص239، وتاريخ الخميس: ج1 ص178، ونهج الحق: ص271، ونفحات اللاهوت: ص79،
وتاريخ أبي الفداء ج1 ص156، وغيرها مما سيأتي. (*)
/ صفحة 318 /
2 ـ
وتقول رواية المفضل: وخروج فاطمة، وخطابها لهم من وراء الباب... إلى أن
تقول: وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب.. ثم تذكر أن عمر ركل
الباب برجله حتى أصاب بطنها الخ..»(1).
3 ـ
وفي كتاب سليم بن قيس: «انتهى إلى باب علي، وفاطمة قاعدة خلف الباب..
إلى أن قال: فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: يا ابن أبي طالب، افتح
الباب.
فقالت فاطمة «عليها السلام»: يا عمر، ما لنا ولك، ألا
تدعنا وما نحن فيه؟
قال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم.. إلى أن قال:
فأحرق الباب، ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة، وصاحت: يا أبتاه الخ..»
(2).
4 ـ
وعن عمر: «فركلت الباب، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه.. إلى أن قال:
فدفعت الباب فدخلت، فأقبلت إلي بوجه غشى بصري الخ..
(3)».
ــــــــــــــــــــ
(1)
البحار: ج53 ص14 / 17 / 19.
(2)
البحار: ج43 ص197 و 198 و ج28 ص299، وكتاب سليم بن قيس ص250، (ط
الأعلمي).
(3)
البحار (الطبعة الحجرية): ج8 ص220 / 227 عن دلائل الإمامة. (*)
/ صفحة 319 /
5 ـ
وعن عمر أيضاً: «فلما انتهينا إلى الباب، فرأتهم فاطمة «عليها السلام»
أغلقت الباب في وجوههم، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها، فضرب
عمر الباب برجله فكسره ـ وكان من سعف ـ ثم دخلوا(1)».
6 ـ
وتقول «عليها السلام»: «وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة
الباب، وناشدتهم بالله الخ.. (2)».
7 ـ
وعن عمر بن الخطاب أيضاً: «فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه،
فرمته، فتصعب علي، فضربت كفيها بالسوط فآلمها.. إلى أن قال: فركلت
الباب، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه.. إلى أن قال: فدفعت الباب
ودخلت، فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خديها من ظاهر
الخمار، فانقطع قرطها، وتناثرت إلى الأرض، وخرج علي، فلما أحسست به
أسرعت إلى خارج الدار، وقلت لخالد، وقنفذ، ومن معهما: نجوت من أمر
عظيم.
إلى أن قال:
وجمعت جمعا كثيراً، لا مكاثرة لعلي، ولكن ليشد بهم قلبي، وجئت ـ وهو
محاصر ـ فاستخرجته من داره الخ.. (3)».
ومن جهة ثانية:
فإن بعض النصوص تشير إلى أن المهاجمين كانوا يحاولون الضغط على فاطمة
«عليها السلام» وتخويفها، حتى لا
ــــــــــــــــــــ
(1)
تفسير العياشي: ج2 ص67، والبحار: ج28 ص227 وراجع: الإختصاص: ص185 و
186، وتفسير البرهان ج2 ص93.
(2)
البحار: ج30 ص348، عن إرشاد القلوب للديلمي.
(3)
البحار: ج30 ص293 ـ 295. (*)
/ صفحة 320 /
تقف حاجزا بينهم وبين علي ومن معه، بل هم يريدون منها
أن تساعدهم في كسر قرار الممتنعين في بيتها، فمن ذلك:
1 ـ
قولهم: إن المهاجمين حين جاؤا إلى بيتها نادى عمر: «يا فاطمة بنت رسول
الله، أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون، وإلا
ـ والله ـ أضرمت عليهم نارا(1)».
2 ـ
وفي نص آخر، أنه قال: «يا بنت رسول الله، والله، ما من الخلق أحب إلي
من أبيك ومنك، وأيم الله، ما ذلك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، أن
آمر بهم أن يحرق عليهم الباب الخ.. (2)».
الإرتباك والتعارض في الروايات:
ويظهر البعض تحيره هنا وهو يواجه هذا الإرتباك الكثير
في الروايات ـ على حد تعبيره ـ ثم هو يقول:
«إن أحاديث إحراق البيت المذكورة في تلخيص الشافي،
والإختصاص، والأمالي للمفيد متعارضة، بين من يذكر فيه التهديد من دون
الإحراق، وهي كثيرة، وبين ما يذكر فيه الإحراق».
ــــــــــــــــــــ
(1)
الجمل: ص117 و 118 (ط جديد) وراجع: نهج الحق: ص271 والإمامة والسياسة:
ج1 ص12 وتاريخ ابن شحنة (مطبوع بهامش الكامل)، ج7 ص164، وتاريخ أبي
الفداء: ج1 ص156، والعقد الفريد: ج4 ص295، وتاريخ اليعقوبي: ج2 ص126.
(2)
راجع: منتخب كنز العمال: (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج2 ص174، عن ابن أبي
شيبة. وراجع أيضاً شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي: ج2 ص45، عن
الجوهري والمغني للقاضي عبد الجبار: ج20 قسم 1 ص335، والشافي للمرتضى:
ج4 ص110. (*)
/ صفحة 321 /
ونقول في الجواب:
لا يوجد أي ارتباك في الروايات، وليس ثمة تعارض فيما
بينها، وذلك لما يلي:
1 ـ
إن أحاديث التهديد بالاحراق لم تنف وقوعه، وقد ذكرنا في إجابة سابقة:
أن كل واحد ينقل ما يقتضيه غرضه السياسي، أو المذهبي، أو ما تسمح له
الظروف بنقله، أو بالاطلاع عليه، لا سيما في تلك الحقبة القاسية التي
كان يجلد فيها الراوي لأجل رواية في فضل علي «عليه السلام» ألف سوط(1)
بل كانت تسمية المولود بعلي كافية لمبادرتهم إلى قتل ذلك المولود
(2)، وقد ذكرنا في كتابنا «صراع
الحرية في عصر المفيد»، أمورا هامة تدخل في هذا المجال فلا بأس بالرجوع
إليه والاطلاع عليها.
والخلاصة:
إن النقل يختلف ويتفاوت بسبب الأغراض والظروف وغيرها.
كما أن هذا المنقول يختلف قلة وكثرة، وحرارة وبرودة حسب
الظروف وحسب الأشخاص، وحسب الانتماءات وغير ذلك.
فقد ينقل أحدهم التهديد بالاحراق.
وآخر ينقل جمع الحطب:
وثالث ينقل الاتيان بقبس من نار.
ــــــــــــــــــــ
(1)
تاريخ بغداد: ج13 ص387 / 388، وسير أعلام النبلاء: ج11 ص135، وتهذيب
التهذيب: ج10 ص430.
(2)
راجع: الوافي بالوفيات: ج21 ص104. (*)
/ صفحة 322 /
ورابع ينقل إشعال النار بالباب أو بالبيت.
وخامس ينقل كسر الباب..
وسادس ينقل دخول البيت، وكشفه وهتك حرمته.
وسابع ينقل عصر الزهراء بين الباب والحائط.
وثامن ينقل إسقاط الجنين بسبب الضرب.
وتاسع ينقل ضرب جنينها، أو متنها، أو عضدها حتى صار
كالدملج، أو ضربها على أصابعها لتترك الباب، ليمكنهم
فتحه.
وعاشر ينقل كسر ضلعها أيضاً.
ومن جهة ثانية نجد:
إن هذا ينقل:
أن عمر قد ضربها، وذلك ينقل ضرب المغيرة بن شعبة لها،
وثالث ينقل ضرب قنفذ و..
فلا تكاذب بين الروايات، ولا ارتباك فيما بينها، بل إن
كل واحد ينقل شطرا مما جرى لتعلق غرضه به، لسبب أو لآخر، كمراعاة ظرف
سياسي، أو لحوافز مذهبية أو غيرها.
وقد علل الشيخ محمد حسن المظفر ذلك بقوله:
«لأن كثير الإطلاع منهم الذي يريد رواية جميع الوقايع
لم يسعه أن يهمل هذه الواقعة بالكلية، فيروي بعض مقدماتها لئلا يخل بها
من جميع الوجوه، وليحصل منه تهوين القضية كما فعلوا في قصة بيعة الغدير
وغيرها(1)».
ــــــــــــــــــــ
(1)
دلائل الصدق: ج3 قسم 1 ص53. (*)
/ صفحة 323 /
2 ـ
إن الذين كتبوا التاريخ، ودونوا الحديث كانوا يراعون الأجواء خصوصا
السياسية منها، حيث كان الحكام وغيرهم يرغبون في التخفيف من حجم ما
فعلوه في حق أهل بيت العصمة والنبوة أمام الناس، ولو أمكنهم إنكار
الواقعة من الأساس لفعلوا ذلك، ولأظهروا: أن المهاجمين كانت قلوبهم
مملوءة بحب الزهراء، بل ذلك هو ما نجده فيما يبذله البعض من محاولات
لإظهار حميمية العلاقة بين الزهراء وبين المهاجمين وإنكار ما يقال من
حدوث أي سوء تفاهم في هذا المجال، فراجع ما ذكره ابن كثير الحنبلي في
بدايته ونهايته وكذلك غيره... ولعل ما سمعناه أخيرا من البعض، من شدة
حبهم لها قد أخذه من بعض هؤلاء.
وقد بات واضحا:
أن نقل حقيقة ما جرى على الزهراء يستبطن إدانة قوية وحاسمة لها أثارها
في فهم ووعي التاريخ، وتقييم الأحداث، وهي تؤثر على الذين يتصدون لأخطر
منصب ومقام، بالإضافة إلى ما لها من تأثيرات على مستوى المشاعر
والأحاسيس، والارتباطات العاطفية والدينية بهذا الفريق أو ذاك، فالسماح
بنقل ذلك، والتساهل فيه لم يكن هو الخيار الأمثل ولا الأولى والأفضل
بالنسبة لكثيرين من الناس.
3 ـ
إن حصول الإحراق قد روي من طرق شيعة أهل البيت بطرق بعضها صحيح ومعتبر.
فلا داعي للتقليل من أهمية هذه الروايات بالقبول عن أحاديث التهديد
بالاحراق ـ إنها كثيرة ـ موحيا بعدم اعتبار ما عداها.
وهناك شطر من النصوص الدالة على وقوع الإحراق أوردناه
في الفصل المخصص لنقل الآثار والنصوص وسيأتي إن شاء الله تعالى.
/ صفحة 324 /
4 ـ
إن رواية من يهمهم التخفيف من وقع ما جرى، ويهمهم إبعاد من يحبونهم عن
أجواء هذا الحدث المحرج، بل وتبرئتهم منه إن أمكن. إن روايتهم لوقوع
الإحراق بالفعل يجعلنا نطمئن أكثر إلى صحة ما روي من طرق شيعة أهل
البيت «عليهم السلام».
5 ـ
أما بالنسبة لكتب الشيخ المفيد رحمه الله تعالى، فقد تحدثنا في فصل
سابق عن نهجه رحمه الله في كتاب الإرشاد، وأنه كان يريد في كتابه هذا،
أن يتجنب الأمور الحساسة والمثيرة، ولذا أعرض عن الدخول في تفاصيل ما
جرى في السقيفة، مصرحا بذلك، وقد كان عصره بالغ الحساسية، كما فصلناه
في كتابنا: «صراع الحرية في عصر المفيد».
أما الأمالي، فهو كتاب محدود الهدف، والاتجاه. ولم يكن
بصدد إيراد أحداث تاريخية مستوفاة، وبصورة متناسقة.
أما الإختصاص فقد ذكر فيه تفاصيل هامة وأساسية ينكرها
المعترض نفسه، أو يحاول التشكيك فيها.
على أنك قد عرفت أنه رحمه الله قد أورد في كل من المزار
والمقنعة زيارتها «عليها السلام» المتضمنة لقوله: «السلام عليك أيتها
الصديقة الشهيدة» أو «السلام عليك أيتها البتول الشهيدة».
6 ـ وأخيرا،
نقول: إنه إذا كان المقصود، أن الذين باشروا إحراق البيت كانوا يريدون
أن تحرق النار البيت كله بمن فيه، ثم لم يتحقق ذلك لهم، فيصح أن يقال:
أرادوا أن يحرقوا، أو هموا بإحراق البيت، أو ما أشبه ذلك، فلا تختلف
هذه النصوص عن النصوص التي تقول: إنهم أضرموا النار فيه، أو نحو ذلك.
/ صفحة 325 /
|