صفحة : 170   

كيف يليق تكفير من رضي الله تعالى عنهم لبيعتهم؟!

السؤال رقم 66:

لا يستطيع الشيعة أن ينكروا أن أبا بكر وعمر وعثمان «رضي الله عنهم» أجمعين قد بايعوا الرسول ﷺ تحت الشجرة، وأن الله أخبر بأنه قد رضي عنهم وعلم ما في قلوبهم([1])، فكيف يليق بالشيعة بعد هذا أن يكفروا بخبر الله تعالى، ويزعموا خلافه؟! فكأنهم يقولون: «أنت يا رب لا تعلم عنهم ما نعلم»! ـ والعياذ بالله ـ.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فإن علينا أن نلاحظ الأمور التالية:

أولاً: إن الله تعالى لم يقل: لقد رضي الله عن الذين يبايعونك تحت الشجرة. ليقال: إن الله تعالى قد شمل برضاه كل من بايع.. بل قال: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك، فجعل الرضا ثابتاً للذين بايعوه متصفين بصفة الإيمان..

ثانياً: يشهد لما نقول:

أن رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول وأصحابه كانوا حاضرين في ذلك المقام، وقد بايع الناس كلهم، ولم يتخلف إلا الجد بن قيس الذي كان يستر نفسه ببعيره([2])، مع أن أحداً لا يشك في أن المنافقين غير مشمولين للرضا الإلهي لا قبل البيعة ولا بعدها..

ثالثاً: إن هذه الآية مسبوقة بآية أخرى تحذر الذين يبايعون رسول الله «صلى الله عليه وآله» من نكث البيعة، فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾([3]).

فدلَّ ذلك على أن نيلهم للرضا الإلهي دائر مدار شرطين:

أحدهما: الوفاء بالبيعة.

والآخر: الإيمان..

رابعاً: إن آية الرضا هذه لا تشمل سائر الصحابة.. بل هي تختص بالمبايعين في حال إجراء البيعة وبقائها، ويدلُّنا على ذلك: أنه تعالى جاء بكلمة «إذ» الزمانية، ليدلَّ على أنه لم يمنحهم الرضا مطلقاً.

وذلك يدلُّ أيضاً: على أن الرضا عنهم لم يكن لأجل صحبتهم، ليشمل حتى زمان ما قبل البيعة، وإنما لأجل بيعتهم، وعلى سبيل الجزاء لهم على هذا الفعل بخصوصه..

كما أنه قد قال: ﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾([4]). ولم يقل : «إذ بايعوك»، ليدلَّ على أن البيعة لم تكن علة للرضا مطلقاً، بمعنى: أن الرضا قد تحقق بالبيعة وانتهى الأمر، بل هو مشروط بالاستمرار على البيعة، الذي يفيده الفعل المضارع، فكأنه تعالى قال: ما داموا ملتزمين بالبيعة، وما دامت هذه البيعة سارية وباقية بذاتها وعينها، فإن الرضا موجود، فإذا انقطع سريانها انقطع الرضا.

وسريانها إنما يتحقق بالالتزام بها وبترتيب آثارها.. وقد روي عنه «صلى الله عليه وآله» قوله: «وإنما الأعمال بخواتيمها»([5]).

فظهر أن الشيعة يلتزمون بمفاد كلام الله تعالى حرفياً، ولا ينقصون منه ولا يزيدون فيه.

وأما غيرهم، فيأخذون بآية لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك.. ويغفلون عن قيد «المؤمنين»، وعن سائر الخصوصيات التي ذكرناها، كما أنهم لا ينظرون إلى الآية الأخرى التي تشترط عليهم الوفاء ببيعتهم، إلى غير ذلك مما قلناه..

ومن الواضح: أن الأخذ ببعض كلام الله دون بعض غير مرضي ولا مقبول، بل هو مساوق لعدم الأخذ، فكأن الذين يفعلون ذلك يقولون لله: أنت يا رب لا تعلم ما نعلم، فإنك اشترطت شروطاً لا نوافقك عليها، وقيدت كلامك بقيود. لا بد من إسقاطها، لأننا أعرف منك..

فهل هذا المنطق صحيح؟!

خامساً: ومع غض النظر عما تقدم، مع أنه لا يمكن غض النظر عنه، نقول:

إنه كلام وارد مورد الغالب، فإنك إذا قلت: أهل البلد الفلاني كرماء، أو شجعان، فلا يعني ذلك أنه لا يوجد فيهم بخيل أصلاً، بل المقصود: أن الحالة الغالبة عليهم هي الكرم، أو الشجاعة.. وهكذا يقال بالنسبة للآيات التي تحدَّثت عن الجماعات، كالصحابة أو غيرهم.

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..


 

([1]) قال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾[الفتح:81].

([2]) راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج16 فصل: بيعة الرضوان.

([3]) الآية 10 من سورة الفتح.

([4]) الآية 18 من سورة الفتح.

([5]) صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج7 ص188 ومجمع الزوائـد ج7 ص213 والمعجم الأوسط للطبراني ج5 ص247 وكشف الخفاء ج1 ص147.

 
   
 
 

موقع الميزان