وذكر ابن
تيمية أيضاً:
أن حمزة وجعفر، وعبيدة بن الحارث قد اجابوا إلى ما أجاب
إليه علي «عليه السلام». بل لقد أسلم حمزة قبل أن يصير المؤمنون أربعين
رجلاً([1]).
فحصلت المؤازرة منهم، فلماذا لم يستحقوا مقام الخلافة بعدها..
ونجيب:
ألف:
بالنسبة لحمزة «رضوان الله تعالى عليه»، نقول:
أولاً:
لا دليل أن حمزة قد أسلم قبل حديث إنذار العشيرة الأقربين.. بل إن صريح
حديث إسلامه: أنه أعلنه بعد اشتداد الأمر بين النبي «صلى الله عليه
وآله»
وبين قريش، لأجل سب أبي جهل للنبي
«صلى الله
عليه وآله»،
وذلك إنما كان بعد إنذار العشيرة. وإن ادَّعوا أنه أسلم في السنة
الثانية من البعثة([2]).
فلعل المقصود:
هو السنة الثانية بعد ما يسمونه الإعلان بالدعوة، أي بعد خروجه
«صلى الله
عليه وآله»
من دار الأرقم.
ثانياً:
إن وجود حمزة في حديث إنذار العشيرة مسلماً، لا يضر، إذ هو كأبي طالب
«عليه السلام»، إذ من القريب جداً أن يكون قد اعتبر نفسه غير مقصود
بخطاب النبي
«صلى الله
عليه وآله»،
فإنه يرى أن بقاءه حياً إلى ما بعد وفاة النبي
«صلى الله
عليه وآله»
أبعد احتمالاً، لأنه كما يظهر لنا كان أكبر من النبي
«صلى الله
عليه وآله»
بحوالي عشرين سنة، بدليل: أنه كان أكبر من عبد الله والد رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»،
الذي كان أصغر أولاد عبد المطلب.
بل قد يكون
حمزة لا يرى في نفسه القدرة على المؤازرة التامة، من جهات باطنية ترتبط
بإدراكه حجم التحديات، وعظمة المسؤوليات وبغير ذلك من أمور قد يرجع
بعضها إلى ما يراه من تقدم علي «عليه السلام» فيها عليه..
ب: بالنسبة
لأبي طالب نقول:
أولاً:
إنه كان شيخاً هرماً، لا يكاد يحتمل البقاء إلى ما بعد وفاة رسول الله
«صلى
الله عليه وآله».
ثانياً:
إن المطلوب هو: أن يبقى إسلام أبي طالب غير ظاهر إلى هذا الحد..
ثالثاً:
إن احتمال أن يتمكن من مؤازرة النبي «صلى الله عليه وآله» بمستوى
مؤازرة غيره وفي جميع المجالات، حتى في مجالات الجهاد والتضحية وفي
سائر الشؤون غير ظاهر، بل هو كان يرى نفسه عاجزاً عن ذلك بسبب ضعف قواه
وتقدمه في السن، ولعله يتقدم ولده علي «عليه السلام» في مزايا أخرى..
ج: بالنسبة
لعبيدة بن الحارث بن المطلب، نقول:
فأولاً:
هو أسن من النبي «صلى الله عليه وآله» بعشر سنين([3]).
ثانياً:
لا ندري إن كان عبيدة قد أسلم قبل حديث إنذار العشيرة أو تأخر عنه،
لأنهم يقولون: إنه أسلم قبل دخول النبي
«صلى الله
عليه وآله»
دار الأرقم([4]).
وإنما كان ذلك في آخر السنة الثالثة من البعثة. فيكون أصل حضوره ـ
مسلماً ـ في قضية إنذار العشيرة غير معلوم..
د: بالنسبة
لجعفر بن أبي طالب.. نقول:
إن الأمر أيضاً كذلك، فقد أسلم بعد أخيه علي «عليه
السلام»، وذلك حين أمره أبوه بأن يصل جناح ابن عمه في الصلاة، إضافة
إلى خديجة وعلي «عليهما السلام»([5]).
ولم يعلم تاريخ حصول ذلك، فلعله تأخر إلى ما بعد حديث إنذار العشيرة
وقبيل إسلام أبي ذر، الذي كان رابعاً أو خامساً في الإسلام.. وأبوذر
إنما أسلم بعد اشتداد الأمر بين النبي
«صلى الله
عليه وآله»
وبين المشركين حسبما تقدم..
ولا شيء يثبت
لنا:
أن إسلام الناس قد تواصل بعد علي وخديجة «عليهما السلام»، فلعله توقف
لسنوات، ثلاث أو أكثر، ثم أسلم جعفر بأمر أبيه، ثم أسلم أبو ذر..
ويؤيد ذلك ما
تقدم:
من أن النبي
«صلى الله
عليه وآله» مكث ما شاء الله يصلي مع علي «عليه السلام» قبل أن يعثر
عليهما أبو طالب.
ويؤيده أيضاً:
أن تقدم إسلام علي وخديجه «عليهما السلام» كان من البديهيات لدى الكبير
والصغير.. فلولا أنه قد مر عليهما وقت تأكد فيه للناس انحصار الإسلام
بهما، لم يصل الأمر في تقدم إسلامهما إلى هذه البداهة والوضوح..
ولعل تأخر إسلام جعفر هذه المدة هو الذي أفسح المجال
للدعاوى الباطلة التي تقول: إنه أسلم بعد خمسة وعشرين، أو واحدٍ
وثلاثين رجلاً([6]).
([1])
منهاج السنة ج4 ص82 و 83.
([2])
الإصابة ج2 ص105 وأسد الغابة ج1 ص354 و (ط دار الكتاب العربي)
ج2 ص42 والوافي بالوفيات ج13 ص104 وذخائر العقبى ص174 وشرح
مسند أبي حنيفة ص184 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص90 وتنقيح المقال
ج24 ص233 والإكمال في أسماء الرجال ص41 والدرجات الرفيعة ص64.
([3])
أسد الغابة ج3 ص356 وسير أعلام النبلاء ج1 ص256 وقاموس الرجال
(ط طهران سنة 1384 هـ) ج6 ص233 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2
ص444 و (ط دار الجيل) ج3 ص1020 وتنقيح المقال (ط حجرية) ج2
ص242 وعمدة القاري ج17 ص87 و 124 ومستدركات علم رجال الحديث ج5
ص199 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص50 والسيرة الحلبية ج2 ص401
وإمتاع الأسماع ج6 ص169.
([4])
قاموس الرجال (ط طهران سنة 1384 هـ) ج6 ص233 والإستيعاب (بهامش
الإصابة) ج2 ص444 و (ط دار الجيل) ج3 ص1020 والطبقات الكبرى
لابن سعد ج3 ص51 و 393 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص444 وأسد الغابة
ج3 ص356 وتهذيب الكمال ج14 ص55 وتنقيح المقال (ط حجرية) ج2
ص242 وعمدة القاري ج17 ص87 وسير أعلام النبلاء ج1 ص7 والإصابة
ج3 ص475 والأعلام للزركلي ج4 ص198 وإمتاع الأسماع ج6 ص169.
([5])
قاموس الرجال (ط طهران سنة 1384 هـ) ج2 ص367 و 369 والأوائل
للعسكري ص75 وأسد الغابة ج1 ص287 وأسنى المطالب ص10 و 17
والسيرة الحلبية ج1 ص269 و (ط دار المعرفة) ج1 ص434 و 436
والإصابة ج4 ص116وكنز الفوائد للكراجكي ج1 ص181 و (ط مكتبة
المصطفوي ـ قم) ص124 وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج3 ص549
وروضة الواعظين ج1 ص140 و (منشورات الشريف الرضي ـ قم) ص86 و
139 و 140 والأمالي للصدوق ص597 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل
البيت) ج8 ص288 و (ط دار الإسلامية) ج5 ص373 ومستدرك الوسائل
ج6 ص455 والفصول المختارة ص171 و 283 ومناقب آل أبي طالب ج1
ص301 وكتاب الأربعين للشيرازي ص493 وحلية الأبرار ج1 ص69 وبحار
الأنوار ج10 ص380 وج18 ص53 و 179 وج22 ص272 وج35 ص60 و 80 و
120 و 121 و 174 وج85 ص3 وجامع أحاديث الشيعة ج6 ص406 و 463
والغدير ج7 ص356 و 357 و 394 و 396 و 397 ومستدرك سفينة البحار
ج6 ص325 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص272 وتفسير القمي ج1
ص378 ونـور الثقلـين ج3 ص32 وشواهـد التنزيل ج2 ص333 والبحر =
= المحيط ج8 ص489 وتفسير الآلوسي ج30 ص183 والدرجات الرفيعة
ص69 والعثمانية للجاحظ ص315 وإعلام الورى ج1 ص103 وقصص
الأنبياء للراوندي ص316 والدر النظيم ص134 وكشف الغمة ج1 ص87
ونهج الإيمان ص376 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص248
و 250 وإيمان أبي طالب للأميني ص36 و 37 و 88 و 90 و 92 و 93
وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص555.
([6])
الإصابة ج1 ص237 و (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص592 وراجع: قاموس
الرجال (ط طهران سنة 1384 هـ) ج2 ص367 و 369 وأسد الغابة ج1
ص287 وأعيان الشيعة ج4 ص119. وراجع: مستدرك سفينة البحار ج2
ص65 ومستدركات علم رجال الحديث ج2 ص131 وسير أعلام النبلاء ج1
ص216.
|