علي عليه السلام يتوسط لزيد بن حارثة

   

صفحة : 56-58  

علي عليه السلام يتوسط لزيد بن حارثة:

قال الحلبي الشافعي: «ذكر مقاتل: أن زيد بن حارثة لما أراد أن يتزوج زينب جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، وقال: يا رسول الله اخطب عليَّ.

قال له: من؟!

قال: زينب بنت جحش.

قال: لا أراها تفعل. إنها أكرم من ذلك نفساً.

فقال: يا رسول الله، إذا كلمتها أنت، وقلت: زيد أكرم الناس عليَّ، فعلت.

فقال «صلى الله عليه وآله»: إنها امرأة لسناء.

فذهب زيد «رضي الله تعالى عنه» إلى علي «عليه السلام»، فحمله على أن يكلم له النبي «صلى الله عليه وآله».

فانطلق معه إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فكلمه، فقال: إني فاعل ذلك، ومرسلك يا علي إلى أهلها فتكلمهم، ففعل. ثم عاد بكراهتها، وكراهة أخيها ذلك.

فأرسل إليهم النبي «صلى الله عليه وآله» يقول: قد رضيته لكم، وأقضي أن تُنكحوه. فأنكحوه، وساق لهم عشرة دنانير الخ..»([1]).

ونقول:

أولاً: إن من غير المعقول أن يتحدث النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» بمنطق الطبقية والاستعلاء على هذا النحو، فإن المعايير التي جاء بها الإسلام، والقرآن، ومنها قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ([2]) لا تسمح بهذا، فإن زيداً لم يكن يعاني من أي نقص، أو عيب، لا في نفسه، ولا في دينه، ولا في خلقه، بل هو قد حاز شرف الإنتساب للإسلام، ولرسول الله «صلى الله عليه وآله»، وترك أهله وأباه، ورضي بأن يتبرأ أبوه منه حباً برسول الله «صلى الله عليه وآله»..

ورسول الله «صلى الله عليه وآله» هو القائل: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وإلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»([3]).

وقرر: أن معيار الكفاءة في النكاح هو الإسلام والإيمان.

ثانياً: إن هذا يعارض ما رووه، من أنها أرسلت إلى النبي «صلى الله عليه وآله» تستشيره في أمر زواجها. بعد أن خطبها عدة أشخاص من صحابته «صلى الله عليه وآله».

فقال «صلى الله عليه وآله»: أين هي ممن يعلمها كتاب ربها، وسنة نبيها؟!([4]).

ثالثاً: إذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» يريد لها أن تتزوج بمن تختاره، ويعلم أنها لا تختار زيداً، وكان ذلك هو سبب امتناعه عن تلبية طلب زيد بأن يخطبها له، فلماذا أقدم على إرسال علي «عليه السلام» إليها، ليطلبها لزيد بالذات؟! فإنه لم يتغير شيء من ذلك قبل توسط علي «عليه السلام» وبعده.

وإن كان يريد فرض الزواج عليها بزيد، فلماذا أرجعه خائباً في المرة الأولى، ثم استجاب له بعد توسط علي «عليه السلام»؟!


 

([1]) السيرة الحلبية ج3 ص320.

([2]) الآية 13 من سورة الحجرات.

([3]) الدر المنثور ج1 ص257 والثقات ج5 ص499 وتهذيب الكمال ج9 ص355 وكنز العمال ج16 ص318 وإعانة الطالبين ج3 ص308 وسبل الهدى والرشاد ج9 ص47 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص487 وج3 ص413 وإيضاح الفوائد ج3 ص23 والمعجم الأوسط ج1 ص142 وغوالي اللآلي ج3 ص340 ونيل الأوطار ج6 ص361 والمجموع ج16 ص183 ـ 188.

([4]) مجمع الزوائد ج9 ص246 والمعجم الكبير ج24 ص39 وسنن الدارقطني ج3 ص208 والدر المنثور ج5 ص208 وتاريخ مدينة دمشق ج50 ص231.

 
   
 
 

موقع الميزان