علي عليه السلام في شعب أبي طالب

   

صفحة : 73-75  

علي عليه السلام في شعب أبي طالب:

وحين اشتد الأمر، وصعَّدت قريش من تحديها لرسول الله «صلى الله عليه وآله» وبني هاشم، وقطعت عنهم الأسواق، بهدف قطع الأرزاق، فلا يتركون لهم طعاماً يقدم مكة، ولابيعاً إلا بادروهم إليه، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم الرسول «صلى الله عليه وآله»([1]).

وكانوا يتهددون من يبيعهم شيئاً بنهب أمواله، أو بمقاطعة تجارته.

نعم حين بلغت الأمور إلى هذا الحد، أمر أبو طالب «عليه السلام» بني هاشم وبني عبد المطلب بدخول الشعب المعروف بشعب أبي طالب، وذلك في سنة سبع، حفظاً لهم من أن يتعرضوا لأي تحدٍ خطير يدفع بالأمور إلى حد الكارثة.

ووضعت قريش عليهم الرقباء حتى لا يأتيهم أحد بطعام. وكان المسلمون ينفقون من أموال خديجة، وأبي طالب، حتى نفدت، أو نفذ منها ما كان يمكنهم صرفه في هذه الأحوال، حتى اضطروا إلى أن يقتاتوا بورق الشجر..

وكان صبيانهم يتضورون جوعاً.

وقد استمرت هذه المحنة سنتين أو ثلاثاً.

وكان علي أمير المؤمنين أثناءها يأتيهم بالطعام سراً من مكة، من حيث يمكن، ولو أنهم ظفروا به لم يبقوا عليه، كما يقول الاسكافي وغيره([2]).

وكان أبو طالب رضوان الله تعالى عليه كثيراً ما يخاف على النبي «صلى الله عليه وآله» البيات (أي أن يغتاله المشركون ليلاً) فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم، اضطجع النبي «صلى الله عليه وآله» على فراشه حتى يرى ذلك جميع من في الشعب، فإذا نام الناس جاء فأقامه، وأضجع ابنه علياً مكانه([3]).

فقال له علي «عليه السلام» ليلة: يا أبت إني مقتول..

فقال له:

اصـبرن يـا بـنـي فالصبراً حـجـى               كــل حـي مـصـيــره لـشـعـوبِ

قـد بـذلـنـاك والـبــلاء شـديــد            لفـداء الحـبـيـب وابـن الحـبـيـب

لـفـداء الأغـر ذي الحـســب الثا         قـب، والبـاع والكـريـم النجـيب

إن تصـبـك المـنـون فالنبـل تبرى               فـمـصـيـب مـنـهـا وغير مصيب

كـل حـي وإن تمــلى بـــعــمــرٍ          آخـذ مـن مـذاقــهــا بـنـصـيـب

فأجابه علي «عليه السلام» بقوله:

أتـأمـرني بـالـصـبر في نـصـر أحمد            ووالله ما قلـت الـذي قلت جازعا

ولكنني أحببت أن ترى (رؤية) نصرتي             وتـعـلــم أني لم أزل لـك طـائـعـا

سأسعى لـوجـه الله في نصـر أحمـد            نبـي الهدى المحمود طفلاً  ويافعا([4])

وقال «عليه السلام» بعد ذلك:

وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى            ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجْرِ

رسـول إلـه الخـلق إذ مكـروا بـه               فنجاه ذو الطول الكريم  من المـكر

وبـت أراعيـهـم متى يـثـبـتونني                وقد صبرت نفسي على القتل والأسر

وبات رسول الله في الشعـب آمناً               وذلـك في حفـظ الإلـه وفي سـتـر

أردت بـه نـصـر الإلـه تـبـتــلاً           وأضمرتـه حتى أوسد في  قبري([5])


 

([1]) البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج3 ص105 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص44 والنزاع والتخاصم ص67 وسبل الهدى والرشاد ج10 ص58.

([2]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص256 والعثمانية للجاحظ ص320.

([3]) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص64 وج13 ص256 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص275 وتيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب ص49 والبداية والنهاية ج3 ص84 وراجع: الغدير ج7 ص357 و 358 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص64 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص140 و 141 والسيرة الحلبية ج1 ص342 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص44 ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص312.

([4]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص64 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص64 و 65 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص59 وأسنى المطالب ص21 والفصول المختارة ص58 والصراط المستقيم ج1 ص176 وبحار الأنوار ج35 ص93 وج36 ص46 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص61 والغدير ج7 ص357 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص557 والدرجات الرفيعة ص42 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص275 وإيمان أبي طالب للأميني ص39.

([5]) بحار الأنوار ج34 ص413 وج36 ص46 وراجع: ج38 ص292 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص235 ونهج الإيمان لابن جبر ص309 وشجرة طوبى ج2 ص237 والفصول المختارة ص59.

 
   
 
 

موقع الميزان