صفحة : 81  

حمية الدين هي الأقوى:

يحاول البعض أن يثير الشكوك حول إيمان أبي طالب: فيواجهه حديث الحصار في الشعب، وأن أبا طالب كان ينيم ولده على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» ليفدي به رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فيحاول التملص والتخلص منه، بادعاء: أنه «رحمه الله» كان يفعل ذلك بدافع من حبه الطبيعي لابن أخيه([1]).

وربما تجد من يدعي: أن حمية النسب والعصبية والقبلية، أو الكبرياء إلى حدّ العناد، أو التوثب للشهرة وخلود الذكر، هو الذي كان يدعو أبا طالب إلى أن يفدي ابن أخيه بولده..

ونقول:

ألف: بالنسبة للعاطفة النسبية والحب الطبيعي والحمية القبلية نقول:

إن العاطفة النسبية نحو الولد والحب الطبيعي له أشد وأقوى نحو ابن الأخ، فالمفروض أن يكون موقفه «عليه السلام» على عكس ما كان عليه..

لو صح قولهم في ذلك لدعت العاطفة النسبية أبا لهب وحبه الطبيعي لابن أخيه وحميته القبلية إلى نصرة النبي «صلى الله عليه وآله»، كما نصره أبو طالب، مع أن أبا لهب كان أشد الناس عليه، ولم تتحرك عاطفته ولا حميته، ولا حبه حتى على الأطفال الذين كانوا في الشعب يتضاغون جوعاً..

إنه لا شك في أن حمية الدين هي الأقوى، بدليل أن أهل الدين يضحون بأموالهم وبإخوانهم، وبأبنائهم، وبأنفسهم في سبيل دينهم. وقد استأذن عبد الله بن أبيّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأن يقتل أباه، لأجل جرأته على رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وفي صفين لم يرجع الأخ عن قتل أخيه، حتى أذن له أمير المؤمنين «عليه السلام»([2]).

ب: بالنسبة للعصبية القبلية، والكبرياء إلى حد العناد، وحمية النسب، والطمع بتبوُّء مقام الكرامة، والإشتهار بالنبوة، نقول:

1 ـ إنما تكون هذه الأمور مؤثرة وفاعلة في صورة ما لو أمكن حفظ أساس الوجود، وفي حدود صيانة مصالح القبيلة، أو الأشخاص، أو من يتطلَّب منازل الكرامة والشهرة، أما لو كان ذلك من أسباب الدمار، والهلاك، وبوار المصالح، فإن أي عاقل يرضى بالتفريط بنفسه، وبولده، وعشيرته، وبكل مصالحه ومصالحهم، وينتهي به الأمر إلى حد الموت جوعاً، أو بحد السيف، في سبيل شيء تشير الدلائل كلها إلى أن حصوله عليه ضرب من الخيال، وفي مستوى الوهم، الذي لا يهتم له أي من عقلاء البشر..

2 ـ إن ذلك لو امكن وصح حصوله بالنسبة لواحد من الناس، بسبب عقدة نقص يعاني منها، فإنه لا يصح بالنسبة لغيره ممن لم يكونوا من قبيلة ولا من أقارب ذلك النبي، وكانوا يتعرضون لأقسى أنواع القهر والعذاب حتى الموت، من أمثال سمية وياسر والدي عمار وغيرهما من المعذبين في سبيل الله رضوان الله تعالى عليهما.

فأية شهرة، وأي مقام يطلبه هؤلاء، ولأية قبيلة يتعصبون وأية حمية نسب تدعوهم إلى تحمل ذلك كله، الذي بلغ بعضهم حد التضحية بأنفسهم؟!

وكيف يتوقعون لأنفسهم خلود الذكر في هذه الدنيا، وأي ذكر يطمع فيه عاقل يوازي أرواحهم التي يبذلونها، وآلامهم التي يقاسونها؟!

والحقيقة هي: أن السبب الحقيقي الكامن وراء اطلاق كل هذه الترهات هو العناد للحق إلى حد السفه، الناشئ عن كراهة الإعتراف به، وإن كانت كل الوقائع تلهج به، وتفصح عنه، وتدل عليه، أو تشير إليه..

فليبوؤا بخزي الإفتضاح وهم الصغار في أنفسهم في الحياة الدنيا، وبالعذاب الأليم الذي أعده الله تعالى للذين آذوا الله ورسله وأولياءه في الآخرة، بسعيهم إلى إطفاء نور الله، وطمس جهود وجهاد الأنبياء والأولياء بزخرف القول، وعوار الكلم، والله متم نوره ولو كره الكافرون، والمشركون، والحاقدون، والمنافقون.

3ـ ونقول أخيراً: إن هذا الرضا والتسليم ثم الإصرار والتصميم الذي نشاهده لدى علي «عليه السلام» على تحقيق السلامة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بقيمة تعريض نفسه للأخطار الهائلة، أمر مدهش ومثير.. لولا اننا نعلم: أن الله سبحانه قد امتحن قلب هذا الشاب للإيمان، وأودعه أقدس الاسرار، وحباه بمنازل الكرامة والزلفى، دون جميع الخلق..

 


 

([1]) تفسير االقرآن العظيم ج3 ص394.

([2]) صفين للمنقري ص271 و 272 وبحار الأنوار ج32 ص475 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص251.

 
   
 
 

موقع الميزان