رثاء علي عليه السلام لأبي طالب

   

صفحة : 95-98  

رثاء علي عليه السلام لأبي طالب:

وقد رثى علي «عليه السلام» أبا طالب بقوله:

أبا طـالـب عصمـة المـسـتــجــير               وغيث المـحـول، ونـور الـظـلـم

لـقـد هـد فـقــدك أهـل الحفــاظ           فـصـلى عـلـيـك ولي الـنـــعــم

ولَـقَّــاكَ ربُـــكَ رِضــــوانـَــــهُ           فقد كنتَ لِلمصطفَى خَـيرَ عَمّ ([1])

ورثاه «عليه السلام» أيضاً بقوله:

أرقـت لطـير آخـر الـليـل غـــردا                  يـذكـرني شجـوا عـظـيـما  مجـددا

أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى    جـواداً إذا مـا أصـدر الأمـر أوردا

فـأمسـت قـريش يفـرحـون بموته              ولـسـت أرى حيـا يكـون مخـلـدا

أرادوا أمـورا زيـنـتـهـا حلــومهم              ستـوردهـم يـومـا من الغي موردا

ويـرجـون تكذيـب النبـي وقتـلـه                وأن يُـفـترى قدمـا عليـه ويُجـحدا

كـذبـتـم وبيتِ الله حتى نذيقكـم          صـدور العـوالي والحسـام المهنـدا

فـإمـا تـبـيـدونـا وإمـا نـبـيـدكم          وإمـا تـروا سلـم العشـيرة  أرشدا

وإلا فــإن الحــي دون محـمــــد         بـنـي هـاشـم خـير الـبريـة  محتدا

وهذه الأبيات توجد في الديوان المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين «عليه السلام» مع تغيير يسير وزيادة، وإليك نصها:

أرقت لنوح (لطيرٍ) آخر الليـل غردا            يـذكـرني شجـوا عـظـيـما مجــددا

أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى             وذا الحـلـم لا خلفا ولم يك قعـددا

أخـا المـلـك خـلى ثلـمة سيسدهـا               بنـو هـاشـم أو يستبـاح فيهـمـدا

فـأمسـت قـريش يفرحون بفـقـده                ولـسـت أرى حـيـا لـشـئ مخـلدا

أرادت أمـورا زيـنـتـها حلـومهـم               سـتـوردهـم يـوما من الغي موردا

ويـرجـون تكـذيـب النبي وقـتـله                وأن يـفـتروا بهـتـا عـلـيه  ويجحدا

كـذبـتـم وبـيتِ الله حتى نذيقكـم         صـدور العـوالي والصـفيح المهندا

ويبـدو منـا مـنـظـر ذو كـريـهــة                إذا مـا تسـربـلنـا الحـديـد  المسردا

فـإمـا تـبـيـدونـا وإمـا نـبـيـدكم          وإمـا تـروا سلـم العشـيرة أرشـدا

وإلا فـإن الحـي دون مــحــمــد          بـنـو هـاشـم خـير الـبريـة  محتـدا

وإن لـه فـيـكـم مـن الله نـاصـرا         ولسـت بـلاق صاحب الله  أوحدا

نـبـي أتـى مـن كـل وحـي بحظه        فـسـماه ربي في الـكـتـاب محـمــدا

أغـر كـضـوء البدر صورة وجهه               جـلا الـغـيـم عـنـه ضوءه فتوقدا

أمـين عـلى مـا استـودع الله قلبـه              وإن كـان قـولا كان فيه مسددا([2])

ونقول:

إن هذا الرثاء تضمن ما يلي:

الإشادة بخصال امتاز بها أبو طالب «عليه السلام»، ومنها جوده، وحصافة رأيه، وحسن تدبيره، وإيوائه للصعاليك والضعفة، واعتصام المستجيرين به. وهو يغيث الناس بعطاياه في أوقات العُدْم والمحل.

2 ـ إنه علم من أعلام الهداية، ونور للناس في الظلمات.

3 ـ إن فقد أبي طالب قد هدّ أهل الحفاظ.

4 ـ إنه يصلي على أبي طالب، ويطلب له رضوان الله..

5 ـ إنه يعبر عن عظيم حزنه لفقد أبي طالب.

6 ـ إن موته قد ترك ثلمة عظيمة، لا يسدها إلا قبيلة بني هاشم بأسرها.

7 ـ إن قريشاً قد فرحت بموت هذا الطود الشامخ، مع أن من يشمت بموت الآخرين لا يمكنه أن يضمن الخلود لنفسه، وهذا يدل على عدم صحة الشماتة بالموت، لأنه سيحل بالشامت أيضاً كما حلّ بغيره..

8 ـ إنه يقرر أن من الخطأ الفادح الإقدام على أمور من دون النظر إلى عواقبها، وهذا ما وقعت فيه قريش، وليس من شيمة العقلاء الوقوع في مثل ذلك..

9 ـ لقد بين «عليه السلام» أن الصراع مع قريش صراع مصير ووجود.. إلا إذا تراجعت قريش عن موقفها الظاهر، وأقرَّت بأن السلم مع العشيرة هو الأقرب إلى الرشد والعقل.

10 ـ إن ناصر النبي «صلى الله عليه وآله» على المعاندين من قريش هو الله سبحانه، فلا يظنن أحد أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا ناصر له. فإن من كان الله معه لا يفقد شيئاً، ومن لم يكن الله معه، فلا شيء معه ينفعه.

11 ـ ثم إنه «عليه السلام» يصف النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» بصفات ظاهرية وباطنية، ويقول: إن صورة وجهه كضوء البدر، حين يجلو ضوؤه الغيم، فيبدوا متوقداً.

ويصفه بأنه أغرّ: أي كريم الأفعال واضحها، أو الأبيض من كل شيء([3]).

12 ـ ثم يصفه بما لا بد لهم من الإقرار به، وبما يقودهم إلى الإيمان والتصديق بنبوته، وهو صفتان:

الأولى: إنه أمين على ما استودع الله قلبه، فلا يفرط في الأمانة، ولا يستهين بها.

الثانية: أنه مسدّد في أقواله، وهو تعبير آخر عن صدقه.

ومن الواضح: أن الصادق والأمين هما من ألقاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» التي شاعت وذاعت وعرفت عنه منذ نشأته، ومن كان كذلك فلا بد من تصديقه فيما يقول، كما لا مجال لاتهامه بالتهاون فيما اؤتمن عليه، وبأنه زاد أو نقص، أو حرّف وتصرّف فيه..


 

([1]) بحار الأنوار ج35 ص114 والغدير ج3 ص106 وج7 ص379 و 388 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص459 وج6 ص558 والدر النظيم ص219 والكنى والألقاب ج1 ص110 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص122 وتذكرة الخواص ص9 وإيمان أبي طالب للأميني ص67 و 80 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج33 ص229.

([2]) الغدير ج7 ص379 و 380 عن ديوان أمير المؤمنين، وعن ابن أبي الحديد. يضاف إلى ذلك ـ مع بعض الإختلاف ـ: تذكرة الخواص ج1 ص149 و 150 وترجمة أبي طالب من تاريخ دمشق ج66 ص344 وديوان الإمام علي (ط بيروت) ص69 70 وسيرة ابن إسحاق ص239. وراجع: حلية الأبرار ج1 ص105 وبحار الأنوار ج35 ص142 وتاريخ مدينة دمشق ج66 ص344 وإيمان أبي طالب للأميني ص67 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج33 ص229.

([3]) لسان العرب ج10 ص43 و (نشر أدب الحوزة ـ قم) ج5 ص14.

 
   
 
 

موقع الميزان