صفحة : 99-101  

في شعر أبي طالب علم كثير:

ورووا: «أن علياً «عليه السلام» كان يعجبه أن يُروى شعر أبي طالب «عليه السلام»، وأن يدوَّن، وقال: تعلّموه، وعلموه أولادكم، فإنه كان على دين الله، وفيه علم كثير»([1]).

ونقول:

في هذا النص العديد من اللمحات والدلالات، ومنها:

1 ـ إن الله تعالى حين ذم الشعراء، فإنما ذم منهم اولئك الذين يتجاوزون الواقع، ليعيشوا في خضم الأوهام، حيث يتنكبون سبيل الهداية، ليهيموا على وجوههم، دون أن يكون لديهم روادع عن الدخول في أي وادٍ كان..

وليس هذا هو ديدن العقلاء، فإنهم لا يدخلون في شيء إلا بعد معرفة وجوه الصلاح والفساد فيه، ويعلمون ما ينتهي إليه أمرهم..

2 ـ أما شعر أبي طالب، ففيه علم كثير، أي أن فيه الكثير من الحقائق والمعايير والضوابط التي تزيد من حصانة الإنسان ضد الجهالات، وتصونه من الوقوع في الخطأ، وتعصمه عن الضلالات.. وتعطيه المزيد من الوضوح في كل سبيل يختار السلوك فيه.

3 ـ ولأجل ذلك كان علي «عليه السلام» يحب نشر هذا الشعر وإشاعته، من حيث أنه يحب نشر العلم، ليتكامل به الناس، وليكون عوناً لهم على حل مشاكلهم، وتذليل صعوبات الحياة لهم، لأنه «عليه السلام» يحب للناس الخير والصلاح، والهداية والفلاح، والسداد والنجاح.

4 ـ وبمقدار ما كان «عليه السلام» يحب نشر هذا العلم، فإنه كان يحب الحفاظ عليه، وتمكين الأجيال الآتية منه، فكان «عليه السلام» يحب لهذا الشعر أن يُدَوَّن، لأنه «عليه السلام» ثاقب النظر بعيد الهمة، يشعر بمسؤوليته عن الصلاح والإصلاح لحياة الناس، حتى الذين لم يولدوا بعد منهم، لأن بصلاحهم يصلح كل شيء يتعاطون معه حتى الماء والهواء، والشجر والحجر، والنبات، والجماد، والإنسان والحيوان، وما في البر والبحر، على قاعدة: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ([2]).

وهناك قاعدة أخرى في ضد ذلك يبينها الله تعالى بقوله: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ([3]).

5 ـ  ما ذكرناه فيما سبق ينتج أن ثمة مسؤولية تقع على عاتق كل فردٍ من الناس، لا بد  من التصدي لإنجازها.. وهي أن يتعلموا هذا العلم، لتنالهم بركاته، وليستفيدوا منه في صلاح أنفسهم، وإصلاح أمورهم وأحوالهم..

6 ـ هناك مسؤولية أخرى يتحملها الناس كلهم أيضاً فرداً فرداً، وهي تعليم هذا الشعر لأولادهم.. من حيث أن الإنسان بما له من عاطفة ورابطة طبيعية بأولاده، يندفع إلى تعليمهم وتربيتهم، وإيصال الخير لهم، وإصلاح أحوالهم، من موقع التعقل والروية ـ والحزم..

وهو يسعى لمنعهم من كل ما يشينهم، وما يرى أنه مضر بهم، حتى لو كان هو لا يمتنع عنه. أي أنه يرضى الإضرار بنفسه، لكنه لا يرضاه لأولاده.. وتراه لا يسعى لتثقيف نفسه، لكنه يفرض على أبنائه أن يثقفوا أنفسهم، وهو لا يتعلم، ويبذل كل ما يملك ليعلمهم.

ولأجل ذلك وسواه يأمر علي «عليه السلام» الناس بأن يتعلموا شعر أبي طالب، معللاً ذلك بأن فيه الكثير من العلم، والكثير من النفحات الإيمانية، وأن يعلموه أولادهم..


 

([1]) راجع: بحار الأنوار ج35 ص115 والكنى والألقاب ج1 ص109 والغدير ج7 ص393 و 394 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص331 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص248 ومستدرك الوسائل ج15 ص166 وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص255 وج21 ص408 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص436 وج6 ص558 والكنى والألقاب ج1 ص109 وإيمان أبي طالب ص88 والحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب ص130 وضياء العالمين.

([2]) الآية 96 من سورة الأعراف.

([3]) الآية 41 من سورة الروم.

 
   
 
 

موقع الميزان